معظم من تابع خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في 20 ايلول الماضي، والذي تضمَّن في شقٍ كبيرٍ منه مسألة عودة العميل عامر الفاخوري الى لبنان، خرج بخلاصة واضحة، أن لا نية لدى الحزب بفتحِ مواجهةٍ مع أحد على خلفية ملفٍ لم يتردّد عنه محيط المقاومة برمته، إضافة الى قوى وشخصيات سياسية عدّة، على اعتباره "فضيحة لا يجوز السكوت عنها".
وبكلامه عن الجيش الذي وصف علاقة الحزب به بـ "الممتازة"، بدا لافتًا تكرار نصرالله تحذيره لجمهور المقاومة وتنبيهه من مغبّة الانسياق في ردود الفعل. وهنا تحديداً تقصَّد القول بأنّ جزءًا مما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي استبطن استهدافًا للقيادة العسكرية "حيث أنّه في حادثة من هذا النوع، حتى لو هناك خطأ من جانب الجيش يجب أن يُعالج في حدوده"، مسلّمًا بوجود "من يريد أن يدخل على الخط ليمزق كل شيء"، ويحوّل الأمر الى مشكلة بين الجيش وجمهور المقاومة، "ما يخدم الاسرائيلي".
مع العلم، أنها المرة الثانية في غضون نحو شهرين، التي يصوِّب فيها أمين عام حزب الله باتجاه الجيش لكن بتوازنٍ، بالاشارة الى "أخطاءٍ" يرتكبها وذلك كما فعل في خطابه آب الماضي في الذكرى الثانية لعملية فجر الجرود حين تطرَّق الى أداء الجيش الامني في بعلبك - الهرمل، قائلاً "فلنفترض أنه أخطأ، أو بتقديرنا أخطأ، لكن الخطأ يجب أن لا يتحوّل إلى رفع الغطاء الشعبي عن الجيش لأن هذا ما يريده المجرمون في المنطقة".
هكذا قرّر نصرالله في ملف الفاخوري عدم تحميل المسؤولية لأي جهة سياسية أو أمنية أو عسكرية، وإن بدا "شفّافًا" بشكلٍ واضحٍ حين جاهر بالقول، أنّ "عودة الفاخوري اضاءت جانبًا كلنا ما كنا منتبهين إلو وغافلين عنو ويتطلّب معالجة قانونية"، قاصدًا، ضرورة تعديل القوانين بما يكفل عدم صدور أحكام هزيلة بحق العملاء وعدم تطبيق واقع مرور الزمن على من ارتكب أعمالًا إجرامية واضحة.
لكن كلام نصرالله الأخير، وان عكس "نفسًا" استيعابيًا للخضة التي سبّبتها عودة الفاخوري ورفضًا لتحويلها الى أزمة مع القيادة العسكرية، فإنّه لم يحجب ما يدور في الكواليس من "مناخاتٍ" لو قُدِّر لها أن تجد مكانًا لها في النقاش السياسي العام لكان الداخل اللبناني أمام "أزمة ثقة" فعليّة بين أركان أساسيين في السلطة، خصوصًا، أنّ "الاتهامات" من جانب محسوبين على حزب الله تبدأ من رأس الهرم في الدولة وصولاً الى أذرعه السياسية والعسكرية والدبلوماسية.
أما من جانب موالين للعهد، فتسمع تأكيدات بأنّ "ثمة من لا يريد للمسيحيين أن يبقوا في أرضهم في الجنوب وكأنّ المقصود دومًا "ترهيبهم" لإبعادهم، الأمر الذي لطالما نفاه حزب الله الى درجة قول السيد نصرالله في خطابه الأخير "من عام 2000 لم نقتل "صوصًا" (في منطقة الشريط الحدودي الجنوبية) ولم نُبعد أحد بل من هربوا قاموا بذلك بإرادتهم، ونحن سلّمنا الجميع الى المخابرات والقضاء".
بمطلق الأحوال، ما حاول السيد نصرالله التركيز عليه، أي البعد القانوني للقضية، يُترجَم من خلال أكثر من زاوية: سعي لتعديلات على القوانين النافذة ما يسقط واقع مرور الزمن عن أحكام متعلقة بالعملاء، المسار القضائي من خلال ما يشير اليه مطلعون، بأنه سيؤدي الى إعادة محاكمة الفاخوري بناء على الاتهامات المساقة بحقه، والدعوى المقدّمة من قبل مركز الخيام، أمام النيابة العامة التمييزية بحق الفاخوري.
وكان لافتًا، عدم استحواذ الرسالة التي بعثت بها عائلة الفاخوري الى "اللبنانيين ووسائل الاعلام" مساحة من المشهد العام للقضية مع العلم أنها شدّدت، على أنّ "الفاخوري لم يكن عميلاً ولم يخطئ بحق أي لبناني". واعتبرت أنّ "توقيفه ما هو إلا عمليّة استغلال سياسي وخلط مريب بين ما قام به هو مع ما قام به غيره".
لكن ما أدلى ويدلي به الاسرى المحررون أمام قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، إضافة الى الدعوى المقدّمة، سيتكفّل وحده بدحض كل ما ورد في الرسالة، لكن من دون إمكان توقع حتى الان المصير الذي سينتهي اليه "عميل الخيام".
في الشق الامني، وفيما قدَّم الجيش ما لديه إن كان رسميًا عبر البيان الوحيد الصادر عنه حتى الآن على خلفية الصورتين المسرّبتين لقائد الجيش مع الفاخوري في واشنطن وموضوع العميد ا.ي، أو عبر التسريبات بصيغة "المصادر"، والذي كشف أنّ السياق الذي تعاطى فيه الجيش مع هذا الملف لا يحمل خلفيات سياسية وبتعبير آخر ليس هناك من دكانة أمنية فتحها الجيش "على حسابه" بايعاز سياسي مع وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، فهناك أحاديث داخلية لا تزال تحاول القول بأنّ الملف يحمل أبعادًا أكبر بكثير "لا تبدأ بالتنسيق غير المرئي بين رئاسة الجمهورية، واستطرادًا الوزير جبران باسيل، وقيادة الجيش وصولاً الى سفير لبنان لدى واشنطن غابي عيسى لإنهاء جزء من ملف العملاء في الخارج، ولا تنتهي بالتأكيد على أنّ الاميركيين همّ الأكثر حضورًا في هذا الملف، مرورًا بتأثيرات الاستحقاق الرئاسي ضمن إطار تجميع أوراق القوة للمرشحين المفترضين".
ولا يدلّ كلام قائد الجيش مؤخرًا بإشارته الى "الاشاعات والتخوين والتجني"، سوى التسليم بوجود من يستهدف قائد الجيش مباشرة، لكن لأسباب مرتبطة قبل أي شئ آخر بأسلوب العماد جوزاف عون في "إدارة أزمة" التصويب عليه وعلى المؤسسة العسكرية، يآثر الردّ على طريقته، وإن "بالصُوَر"، محاذرًا فتح أبواب المواجهة السياسية و"تجهيل الفاعل" حتى إشعار آخر...
ملاك عقيل - ليبانون ديبايت