لطالما اعتُبر ملف الخليوي من الملفات "الدسمة" التي تثير شهية مختلف القوى السياسية. ولدسامتها، يجتهد البعض لعدم فتح المجال أمام المنافسة، رغم إفادتها لخزينة الدولة والمستهلكين. فتغيير الركود الذي يعيشه القطاع في ظل احتكاره من قبل شركتين، يؤمّن للمستفيدين أرباحاً مالية وإمكانية أكبر للتحكم بالقطاع وعائداته. ولشدة وضوح الفساد في هذا القطاع، يُسلَّط الضوء عليه كلما جرى الحديث عن الإصلاحات.
تضييق الخناق
خلص رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسين الحاج حسن بعد استماع اللجنة إلى إفادات مسؤولين في شركتي الخلوي ألفا وتاتش، إلى "وجود عشرات بل مئات الوثائق حول مخالفات قانونية" في الشركتين. ووجّه الحاج حسن علامات الاستفهام نحو وزارة الاتصالات. إذ لفت النظر إلى "مخالفات واضحة في موضوع المناقصات، حين يلغي وزير الإتصالات مناقصات لصالح شركات غير التي ترسي عليها المناقصة. وهناك مناقصات شكلية ومحددة لشركات معينة، كما أن هناك تضخيم للاحتياجات، ويتم رمي الاحتياجات في المستودعات. وفيما بعد تنتهي مدتها ويتم رميها".
وفي مؤتمر صحافي عقده يوم الأربعاء 25 أيلول للإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في ملف الخلوي في مجلس النواب، كشف الحاج حسن أن الإفادات التي حصلت عليها اللجنة "مسجّلة في إفادة أمانة السر خلال الجلسة".
وكخطوة أولى متزامنة مع انطلاق التحقيقات، طالب رئيس لجنة الإعلام والاتصالات بتوقيف الرعايات والإعلانات للشركتين، إذ "لا داعي لذلك في لبنان، بوجود شركتين فقط للإتصالات الخليوية". مشيراً إلى أن وزير الاتصالات محمد شقير رفض إلغاء رعايات الشركتين للأندية، بل "قام بتخفيضها إلى النصف".
الحاجة للأجهزة الرقابية
سعي الحاج حسن للتخفيف من فظاعة الارتكابات في قطاع الخليوي، مقبول من الناحية الأخلاقية، لكنه لا يكفي من الناحية العملية، ما لم ينطلق الحل باتجاهين متوازيين زمنياً، يقومان على وقف المخالفات ومباشرة الأجهزة الرقابية تحقيقاتها الجدية. وفي هذا السياق، أعلن الحاج حسن عن إنهاء اللجنة، يوم الإثنين 30 أيلول، تقريرها حول شركة ألفا، فيما ستنهي يوم الإثنين 7 تشرين الأول، تقريرها حول شركة تاتش.
التقارير المنتظرة يجب أن تُعرض على الأجهزة الرقابية، التي تنصّلت لسنوات من ممارسة دورها في مراقبة صرف المال العام في قطاع الخليوي "فلا مال عام يفترض أن يُحصَّل أو يُصرَف من دون الخضوع للرقابة. وفي الخليوي هناك عقود بملايين الدولارات لا أحد يعرف كيف صُرِفَت"، حسب ما تقوله مصادر مالية متابعة لملف الخليوي، خلال حديث لـ"المدن".
وتلتقي المصادر مع الحاج حسن بما يتّصل بممارسات وزراء الاتصالات، وهي ممارسات مشتركة في أكثر من قطاع، حيث "يقوم الوزير باختصار عمل كافة أقسام الإدارات التابعة لوزارته". وترى المصادر أن "إطلاق يد وزراء الاتصالات في ملف الخليوي عائد لتقاسم الملفات بين القوى السياسية. فمن يسكت عن وزير الاتصالات، ينتظر سكوت الفريق السياسي الذي ينتمي إليه وزير الاتصالات، عما يفعله وزير الطاقة أو أي وزير آخر، فتسير الأمور في الدولة بصيغة "المَونة" وليس بحسب القوانين والأنظمة".
لا تثير الطريقة التي يُدار بها ملف الاتصالات، حماسة المصادر لناحية الوصول إلى النتائج المرجوة، لأن "التجربة نادراً ما أوصلت اللجان النيابية إلى نتائج". لكن المصادر تعوّل على التعقيدات التي وصلت إليها القوى السياسية، التي ما عادت قادرة على تغطية الفساد. وبنظر المصادر "يمكن لظروف العجز التي يشهدها لبنان أن تكشف الكثير من ملفات الفساد التي لا يستطيع أحد الدفاع عنها. وهنا يجب على النواب المتابعين، أن ينظروا إلى الملفات بعينٍ مالية ومحاسبية وقانونية على حد سواء، فلا يُشار إلى الفساد من دون معرفة كيفية محاربته ولا الجهة المعنية بالتدقيق ولا الطرق الصحيحة للتطبيق. فلا يصح مثلاً أن نعيّن لجنة أو شركة أو جهازاً رسمياً للتدقيق، فيخلص المدقق إلى تطابق النتائج مع العقود، فالخبرة يجب أن تلحظ التدقيق في العقود نفسها، هل هي لصالح الدولة والخزينة أم لا، هل حصة الدولة من الأرباح كافية؟ هل هناك إيرادات لا تلحظها العقود؟.. وغيرها من النقاط".
خوف الشركات
وصول اللجنة إلى خلاصات تؤكد شبهات الفساد في الشركتين، وإعلان وجود تقرير مفصل حول التحقيقات في شركة ألفا، دفع بأعضاء مجلس إدارة الشركة إلى الاستقالة لتجنب النتائج التي ستُعلن، والتي قد تؤدي إلى توقيف بعض أعضاء مجلس الإدارة. غير أن شركة ألفا نفت في بيان لها كل ما تم تداوله حول الاستقالة، مؤكدة أن مجلس الإدارة يتابع مهامه الموكلة إليه بحسب العقد وبالتنسيق الكامل مع وزارة الاتصالات.
الشائعات التي انتشرت لم تكن وليدة فراغ. فحسب المصادر "عندما يُفتح ملف الفساد يسارع المتورطون إلى التخبّط وتنتشر التكهنات حول مصير المتورطين، الذين يحظون في الغالب بحماية وزراء، يطلبون منهم عادة تمرير المخالفات لقاء وعود بالحماية. لكن في فترات الاحتكاك والقلق، يخاف المتورطون من تخلي الوزراء عنهم، كي لا يسببوا الإحراج لأنفسهم ويوسمون بأنهم يغطون الفاسدين".
خضر حسان - المدن