تتجاوز جامعات خاصة مخالفاتها وتطلق حملات تسويق لاختصاصاتها، وتعلن عن تقدمات للطلاب الجدد وكأن شيئاً لم يكن. بعض ممثلي هذه الجامعات يجولون على مرجعيات وقيادات حزبية ويعلنون توقيع اتفاقات مع جمعيات وقوى لاستقطاب الطلاب، وكأن هذه الجامعات لم تعد معرضة للمساءلة والتدقيق طالما أنها تحظى بتغطية سياسية وطائفية، فيما عدد كبير من متخرجيها في اختصاصات عدة عاجزون عن مصادقة شهاداتهم، ما يطرح علامات استفهام كبيرة عمن أعطى الجامعات المخالفة الثقة مجدداً فانطلقت غير مكترثة لكل الإجراءات التي اتخذها مجلس التعليم العالي. هذا يؤكد أن قطاع التعليم العالي يدار في أكثريته، خصوصاً الجامعات المساءلة، سياسياً وطائفياً، أما المعيار الأكاديمي ففي مرتبة متأخرة.
في التدقيق بأوضاع الجامعات المخالفة، بدا مجلس التعليم العالي الذي أعيدت هيكلته، وشكلت داخله لجنة الطوارئ لمتابعة أوضاع الجامعات المخالفة، إلى جانب اللجنة الفنية، في وضع المراوحة ولا يزال يغالب في إدارة هذا الملف الشائك والخطير على مستقبل التعليم العالي وسمعته، فيتبين أن السياسي والطائفي وتوازناتهما تغلب السير في الملف إلى نهايته او على الأقل الكشف الحقيقي عن مخالفات لجامعات خاصة بالجملة. فإذا بنا نكتشف، وهذا ليس جديداً، أن من يمنح ترخيصاً سياسياً لجامعة أو معهد أو كلية أو اختصاص متجاوزاً مجلس التعليم العالي المخول رفع اقتراح الترخيص، يمكنه أن يغطي جامعة مخالفة ويمنع أن تأخذ المحاسبة مجراها، ما يعطيها الثقة مجدداً للمبادرة في تسويق وضعها واختصاصاتها وعقد اتفاقات وتقديم بنيتها خالية من أي ثغر وشوائب.
ليس المطلوب تصفية حسابات مع الجامعات المخالفة، بل تطبيق القانون، وتحمل مجلس التعليم العالي لمسؤولياته. وإذ بلجنة الطوارئ واللجنة الفنية تقرران زيارة 30 جامعة في مرحلة أولى و19 جامعة في مرحلة ثانية وتعبئة استمارات حول أوضاعها بعنوان التدقيق في تراخيصها وأذونات مباشرة العمل لفروعها وكلياتها واختصاصاتها، بينما حسم الأمور يجب أن يكون أولاً للمؤسسات التي تخضع للمساءلة وتلك المخالفة في ملفات اكاديمية عدة، وأخرى لا تلتزم المعايير الأكاديمية، أقله إعادة التدقيق بقبول الطلاب في اختصاصات كالهندسة مثلاً من دون شروط أكاديمية وارتفاع أعدادهم في كليات لا تقدم برامج أكاديمية معترف بها عالمياً ولا تخضع لمعايير الجودة بحدها الأدنى. فكيف يمكن الإنطلاق بالعكس فيما المخالفات لا تزال قائمة وملفات التحقيق لم تقفل بعد، علماً أن جامعات أخرى معرضة للمساءلة وأوراق الإنذارات الموجهة إليها موجودة في محاضر مجلس التعليم العالي.
بات بعض الجامعات يتهرب من الالتزامات والشروط الأكاديمية ويلتف عليها أمام الجهات الرقابية والإشرافية وسلطات الوصاية، وصار أمر عدم ملاحقتها يثير تساؤلات وعلامات استفهام. لا نتحدث هنا عن متابعة الانتاج البحثي للجامعات، انما أقله التزام المعايير. وقد نتساءل عما إذا كانت هناك خلافات داخل اللجان المعنية، وهو أمر مطلوب حسمه من وزير الوصاية!
ابراهيم حيدر - النهار