ماذا بقي للبنان من مؤتمر "سيدر"؟
لا شيء تقريباً بإستثناء ما ستقرره غداً، لجنة من الخبراء تشكلها الدول المانحة لمراقبة مسار الاصلاحات الموعودة، تمهيداً للحصول على المليارات المرصودة، بما يعني إستطراداً إحتمال ان يأتيكم غداً السفير الصريح والمحترم بيار دوكين ما غيره، الذي نشر غسيلكم الناصع مرتين على صنوبر بيروت والعالم، عندما قال في زيارته الأخيرة بعد سنة ونصف سنة على عقد مؤتمر "سيدر" والوعود التي قدمتموها، أنه لم يرَ أي شيء جيد في بيروت، الغارقة طبعاً في سوء الإصلاح وإستفحال النهب والهدر والفساد!
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند حدود الإتفاق الذي تم التفاهم عليه في المؤتمر الذي عقد في السابع من نيسان من العام الماضي، أي ان تنفيذ الإصلاحات بمختلف وجوهها، يبقى المدخل الوحيد للحصول على الدعم الذي أقرته الدول المانحة، إضافة طبعاً الى ضرورة الإلتزام الفعلي لسياسة النأي بالنفس وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمها القرار ١٧٠١، وهكذا يبدو مفهوماً ان الدول المانحة ليست في وارد إلقاء مليارات الدولارات في بئر أو في أتون. ولكن هل يستطيع لبنان فعلاً ان ينخرط في عملية إصلاحية جادة وشاملة وسريعة تعالج الخراب الذي ينخر في الهيكل العظمي لهذه الدولة المسخرة من أعوام، عندما يكون الداء هو الدواء الوحيد؟
المشكلة تراوح مكانها لا بل تستفحل، فبعد عقد مؤتمر "سيدر" في نيسان من العام الماضي، جاء دوكين بعد ستة أشهر، سائلاً أين أصبحت الوعود الإصلاحية، لكنه انتهى بصدمة هائلة جعلته يقول يومها "ان لبنان غير قابل للإصلاح".
أكثر من هذا وترطيباً للذاكرة قال يومها، إن المسؤولين ذهبوا الى باريس ووقعوا على بنود كاملة تشترط خفض العجز وخفض القطاع العام والشركة مع القطاع الخاص وإصلاح الكهرباء ومحاربة الفساد، لكننا عدنا الى نقطة الصفر، فهم ينعتوننا بالجنون إذا كنا مقتنعين بإمكان تنفيذ الإصلاحات التي تنطوي على آثار إجتماعية مثل تقليص حجم الدولة.
بعد عشرة أشهر عاد دوكين الى بيروت ليسكب علينا دشاً من المياه الباردة، عندما تعمّد عقد مؤتمر صحافي بعد مقابلته المسؤولين قال فيه " ان الوضع طارئ للغاية، ولا يمكن ان نجد أي مؤشر إقتصادي أو مالي غير سيئ". وبلا ريب يعرف ماكرون كيف يستمع الى دوكين الذي رأى ان الحديث عن الإصلاحات في لبنان يبقى شكلياً ولا يتجاوب مع الأجندة التي تم التفاهم على تطبيقها في مؤتمر "سيدر"، ولهذا ليس في وسع الحريري إبتداع المعجزات في باريس لأن المكان الذي يجب ان يشهد معجزات إصلاحية هو لبنان! ولكن كيف مع هذا الطقم السياسي أياه الذي يقود "التايتانيك" الغارقة حتماً.
راجح الخوري - النهار