بعد إضراب يوم الأربعاء 18 أيلول، والذي نفذته الشركات المستوردة للنفط ونقابة أصحاب المحطات ونقابة أصحاب الصهاريج وموزعي المحروقات وموزعي الغاز، احتجاجاً على شح الدولار المستعمل في عملية تأمين المحروقات للسوق اللبناني، أعلن أهل قطاع النفط أن خطوات مماثلة ستجري تباعاً ما لم تجد الدولة حلاً للمشكلة.
وحسماً للجدل القائم حول إمكانية تنفيذ القطاع النفطي إضراباً مماثلاً في اليومين المقبلين، أعلنت شركات النفط وأصحاب محطات الوقود، يوم الإثنين 23 أيلول، تجميد الإضراب والانتظار 48 ساعة، علّ رئيس الحكومة سعد الحريري يبتدع حلاً مناسباً. على أن يجتمع المعنيون يوم الخميس المقبل. وهذا خلاصة ما اتُفِق عليه في لقاء الإثنين بين الحريري والقطاع النفطي.
مسار سلبي
لم ينتظر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة 48 ساعة ليعلن موقفه من الأزمة. ففي مقاربته للموضوع، أكد سلامة أنه "يجب على المستوردين إيجاد طرق للوصول إلى حل، فسعر صرف الليرة بالمصارف هو واحد، والفرق يمكن أن يكون موجوداً لدى الصرافين. الصراف ليس مصرفاً، هو يتعاطى بالأوراق ولا يقوم بعمليات تحويل ولا عمليات لها علاقة بأي شكل بالمصرف"، نافياً وجود سوق سوداء للدولار "لأنه لا يمكن القيام بتحاويل عبر الصراف بل عبر البنك، والسعر موجود".
كلام سلامة يستند إلى الجانب القانوني الذي يميّز بين عمل المصارف وعمل مؤسسات الصرافة، التي تبيع الدولار في السوق على أنه سلعة يُحدد الصيارفة سعرها وفق ما يناسبهم، كحال أي سلعة في السوق، على عكس المصارف الملزمة باعتماد هوامش سعر الصرف التي يضعها مصرف لبنان. لكن السند القانوني لمصرف لبنان يدين أركان السلطة الذين قوننوا هذا النظام وأفلتوا الصيارفة من القيود التي تلتزم بها المصارف. والحاجة لمثل هذا الضبط ملحّة لأن النقد لا يجوز التعامل معه على أنه سلعة، لأن انعكاسات التلاعب بسعر صرفه تختلف عن انعكاسات التلاعب بأسعار السلع التي يسهل الاستغناء عنها أو استبدالها بسلع أخرى.
فالحاكم بحصره المشكلة بالصيارفة ونفي وجودها في المصارف، معلناً أن "ما يهمنا هو سيولة الدولار في القطاع المصرفي وهي موجودة ومتوفرة، وعلى الكونتوار يمكن القيام بها"، مؤكداً أن "مصرف لبنان لديه موجوداته بالدولار وهي تفوق 38 مليار و500 دولار، ولا ضرورة لإتخاذ أي إجراءات"، إنما هو يعزز الشعور بالسلبية ويرفع معدلات الترقب والحذر لدى مستوردي النفط والمواطنين.
ولحساسية النقد، كان من المفترض بحاكم مصرف لبنان عدم رمي الكرة في ملعب الصيارفة والمستوردين، بل كان على المرجعية المالية الأولى في الدولة، لعب دور إيجابي، على الأقل عبر عدم التصريح وتعكير الأجواء.
مسؤولية الحاكم
أطلق سلامة بموقفه رصاصة الرحمة على الحلول الاستراتيجية، في ظل وضوح القانون وتحديد الصلاحيات في هذا الملف. كما انه أقفل الباب أمام مساعي الحريري التي لن تتعدى في حال وجدت لنفسها صبغة إيجابية، التحايل على الأزمة، وبالتالي تأجيلها لبعض الوقت. لأن مساعي الحريري محصورة بالقانون. والقانون يُخرج الصيارفة من دائرة الاتهام بالتسبب بأزمة أو توسيع انعكاساتها.
رفع سلامة المسؤولية عن نفسه وعن المصرف المركزي لجهة عدم القدرة على ضبط أسعار بيع الدولار لدى الصرافين، لا يعفيه من مسؤولية التضييق على مستوردي النفط لجهة عدم تمكّنهم من فتح اعتمادات أو شراء الدولار من المصارف التجارية. فحسب ما تقوله نائبة رئيس تجمع شركات النفط في لبنان دانيا عون، فإن "المصارف توقفت عن فتح اعتمادات للشركات لإستيراد النفط وتوقفت عن تبديل الليرة بالدولار، بموجب قرار حاكم مصرف لبنان. وصباح الإثنين تبلّغنا عدم القدرة كلياً على سحب الدولار من الصراف الآلي ATM بعد أن كان المبلغ الأقصى للسحب اليومي هو 2000 دولار". والكلام الذي أوضحته عون في حديث لـ"المدن"، يُناقض ما صرّح به سلامة حول توفر الدولار، واتهامه وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بتضخيم الأخبار، فقد أكد سلامة أن "المصارف تلبي طلبات زبائنها. والإجراءات التي اتخذتها بعض المصارف على الـATM، متعلقة بسياسة كل مصرف والدولار متوفر في بعض هذه الآلات".
الحسابات ليست لدى الصرافين
تستغرب عون هذا التعاطي مع "سلعة حيوية لن تتوقف انعكاساتها على القطاع النفطي وانما ستطال كل القطاعات". وبرأيها، إن بقاء الوضع على ما هو عليه، يعني وضع الإضراب كخيار وحيد أمام أهل القطاع. فمن غير المنطقي أن "نضع حساباتنا في المصارف بالدولار، فيما المصارف لا تعطينا الدولار، وثم يُقال بأنه لا يوجد أزمة سيولة بالدولار". وتتابع عون القول أن "اعتماداتنا لدى المصارف وليست لدى الصرافين كي يُصوَّر لنا بأن المشكلة مع الصرافين، والمصارف لا تفتح الاعتمادات ولا تعطينا الدولار وليس الصرافين. حاكم مصرف لبنان يمثّل الدولة ومن المفترض أن لا يعمم على المصارف عدم التصرف بالدولار". وإنطلاقاً من هذا الموقف، يكون القطاع النفطي "متجهاً قسراً الى الإضراب".
وفي خضم التجاذبات، تقدم عون اقتراحاً يمكنه ان يشكّل مدخلاً للحل، وهو "استعداد شركات النفط لفتح اعتمادات عن طريق مصرف لبنان، لاستلام النفط، وهكذا يلجم المصرف التجارة بالدولار".
خضر حسان - المدن