رسالتا تطمين ونجاح حملهما مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلنغسلي في زيارته الاخيرة الى لبنان. يطمئن إلى أن لا لائحة عقوبات جديدة تستهدف مصارف لبنانية، وأن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تفاقمت في لبنان أخيراً، غير مرتبطة بمروحة العقوبات التي تتسع على "حزب الله"، وأي شخص أو كيان يساعده ويوفر له الإمكانيات، فيما لا يخفي نجاح العقوبات التي جففت قسماً من مصادره المالية، فساهمت في تقليص قدرته على جذب المؤيدين.
وهو إذ توعّد بتشديد العقوبات، التي أكد أنها "لا تستهدف الطائفة الشيعية"، قال بيلنغسلي في لقاء مع الصحافيين شاركت فيه "المدن" في السفارة الاميركية في بيروت، أن واشنطن مستعدة لدفع جوائر مالية تصل إلى 10 ملايين دولار، لقاء معلومات تؤدي إلى قطع تمويل حزب الله، إذا كانت المعلومات تؤدي الغرض.
وكشف "إننا دفعنا بالفعل مكافآت لقاء معلومات حصلنا عليها من لبنان، وهي معلومات مثيرة للاهتمام، وبعضها كان موثوقاً"، لافتاً إلى معلومات أخرى كانت "مرعبة" نظراً لأنها مطابقة لما تحدثت عنه واشنطن في السابق، عن تورط أعضاء في الحزب في تجارة المخدرات.
لا عقوبات جديدة على المصارف
لا يحمل بيلنغسلي في زيارته الأخيرة إلى لبنان لائحة جديدة لإدراج مصارف لبنانية على لائحة العقوبات الأميركية، مشدّدًا على عدم وجود سوء نية تجاه المصارف اللبنانية. ويوضح أن بلاده التي فرضت عقوبات أخيراً على "جمال ترست بنك"، على قناعة أن إدارة المصرف "كذبت على المصرف المركزي"، وخرقت قانون مكافحة غسيل الأموال في لبنان، معلناً اهتمام واشنطن، بعد تصفية المصرف: "أن يحصل الأبرياء على ودائعهم، وأن تبقى حسابات "حزب الله" الملوثة مجمدة".
وكرر بيلنغسلي إشادته بالقطاع المصرفي اللبناني، وجهوده وتعاونه لمكافحة تمويل الإرهاب ومحاربة الفساد والتزامه بالتعاميم الدولية، كما امتثاله للقوانين الدولية، بما يقلل المخاطر ويحمي ودائع الزبائن. ويشير إلى محادثات مهمة جداً أجراها مع حاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف، وحتى مع مدراء المصارف أنفسهم. ولا ينفي أنه "لدينا علاقات جيدة مع مدراء المصارف الرئيسية في بيروت"، لافتاً إلى أن "كل من هؤلاء يعرف ما عليه أن يفعل. وأنا على قناعة بأنهم يمارسون عملاً جيداً". ويبدو بيلنغسلي واقعياً في إعلانه أن بلاده لا تتوقع نجاحاً مئة في المئة في مكافحة الحسابات المشبوهة، "لكننا على قناعة أن المصارف تقوم بتنظيف الأصول المالية عند اكتشافها".
وإذ يؤكد بيلنغسلي أن العقوبات على بنك "الجمّال" لم تؤثر على الاستقرار المالي في لبنان، لأن "الجمال" ليس مصرفاً كبيراً، فيما تقوم المصارف الأخرى بعمل جيد، شدد على أن الأميركيين يهتمون بسلامة الاقتصاد اللبناني، ويعملون على إيجاد الطرق لتحقيق نمو اقتصادي، وتصويب معدل الفوائد، وتخفيض التضخم ومستوى البطالة.
ويشدد على "إننا ملتزمون بعمق بسيادة وسلامة وأمن النظام المالي اللبناني"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة، ورغم تركيزها على العقوبات ضد الحزب، هي "على تواصل منتظم مع المصرف المركزي وجمعية المصارف، لحل الإشكالات بهدوء. وهناك شراكة متينة وتعاون وثيق لتقوية الثقة الدولية بلبنان والنظام المصرفي اللبناني، لتشجيع المصارف في خارج لبنان لتمتين الروابط المصرفية ولتشجيع الشركات الدولية للقيام باستثمارات في لبنان". ويشدد على ضرورة مكافحة الفساد، بالنظر إلى أن مكافحته تخلق بيئة استثمار مناسبة وهي مطلوبة.
ويعيد بيلنغسلي التأكيد أن "لا صلة بين العقوبات على حزب الله، والشائعات عن الشحّ في السيولة المالية"، فهما غير مترابطين، مشيراً إلى أن ضخ السيولة في الاقتصاد هي مسؤولية المصرف المركزي. ويقول: "حاكم المصرف المركزي لديه خطة، والولايات المتحدة تعمل معه، ووزارة الخزانة الأميركية تعمل مع فريقه"، لافتاً إلى أن الخزانة الاميركية توفر النصيحة والمساعدة التقنية.
الشيعة غير مستهدفين
منذ بداية اللقاء، كرر بيلنغسلي تأكيده أن الشيعة غير مستهدفين بالإجراءات الأميركية التي تستهدف "حزب الله" ومساعديه. يشير إلى نقاشات عميقة مع رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، أفضت إلى التأكيد أن واشنطن لا تستهدف الشيعة، بل تتوجه بالعقوبات لتأكيد سيادة النظام المصرفي اللبناني، لافتاً إلى "أننا نعمل على توفير الأمن والاستقرار للوضع الاقتصادي اللبناني".
وقال: "كررنا مراراً أننا سنركز على أي فرد يوفر الدعم المادي لحزب الله، بصرف النظر عن انتمائه الطائفي أو السياسي"، ذلك أن الحزب "منظمة إرهابية متورط بدم الكثير من اللبنانيين والأميركيين" وغيرهم، قائلاً: "إنه منظمة تقتل الناس في كل مكان".
وإزاء "الالتزام الأميركي" بمواجهة الحزب "كمنظمة ارهابية" بشكل كامل، لا تكترث واشنطن إذا كان هناك له أعضاء في البرلمان أم لا. يقول: "لا نفصل بين جناحيه السياسي والعسكري. نصر الله نفسه أقر بأنه منظمة واحدة، وهذا واقع". مذكراً بإدراج النائب أمين شري وغيره ضمن مروحة واسعة من اعضاء الحزب على لوائح العقوبات.
عزل "حزب الله"
ولا يتردد بيلنغسلي في دعوة الأطراف السياسية اللبنانية للابتعاد عن "حزب الله". يقول: "ليس مقبولاً أن تنخرط المنظمة الإرهابية في النسيج الديموقراطي اللبناني"، مذكراً بأن "الايرانيين يسعون لإنهاء الديموقراطية في لبنان والعراق، وهدفهم التقسيم والاحتلال، وهو ما يتطلب من كافة الأطراف السياسية في لبنان أن تجتمع على رفض هذا المخطط الإيراني الذي ينفذه حزب الله".
ويبدو أن مروحة العمل لإبعاد اللبنانيين عن "حزب الله" مستمرة، حتى ضمن البيئة الشيعية، ووضعت لها واشنطن اسساً واضحة، تتدرج من أن يكون المواطنون اللبنانيون على قناعة بأن حزب الله هو منظمة ارهابية. ويقول: "توفير البدائل عن الحزب، يبدأ من مكافحة الفساد، وتشجيع المواطنين على الانخراط في المشاركة الديموقراطية، وتنتهي بمنح الناس بدائل لحياة أفضل بدلاً من إرسالهم لقتل الأبرياء في سوريا، أو للقتال في اليمن". ويوضح: "نحتاج للعمل سوياً لمحاربة الفساد، وتعزيز النمو الاقتصادي، تمهيداً لإعطاء فرص بديلة".
تراجع القدرة المالية للحزب
ويؤكد بلغنسلي أن قدرة الحزب على جذب المؤيدين في لبنان تتراجع "لأن نصر الله فرغ من المال"، مشيراً إلى إقرار نصر الله أنه يعاني من مشكلة في التمويل. وهو ما دفعه لطلب "الجهاد بالمال".. ويرجع هذا التراجع إلى مشكلة التمويل التي تعاني منها إيران. ويقول: "نحن اتخذنا القرار أن لا يمتلك الإيرانيون هذا الفائض المالي الذي يمكّنهم من منح نصر الله 700 مليون دولار اعتادوا على منحها إياه في السابق سنوياً. وطالما أنه لا يستطيع دفع الرواتب والتقديمات التي اعتاد على تقديمها، فهذا جيد، لأنه يمنح اللبنانيين خيارات أخرى، وفرص أخرى وعدم الانخراط في هذه المنظمة الإرهابية".
ولا يخفي الأميركيون معرفتهم أن الحزب يستخدم نظام الدفع النقدي، لكنهم يؤكدون أنهم يستهدفون مختلف مصادر تمويل الحزب، وتشمل قطاعات الأعمال خارج لبنان. وتتوعد بمواصلة القيام بذلك. كما يقوم الحلفاء بالمسعى نفسه، في إشارة إلى الارجنتين والباراغواي، والعديد من دول أميركا اللاتينية "التي تُعدّ ضحية لإرهاب حزب الله". وهو جهد موصول إلى المملكة المتحدة ودول أخرى في أوروبا ودول الخليج، التي تصنف الحزب على أنه منظمة إرهابية حقيقية، وتحظر التحويلات المالية له.
نذير رضا - المدن