يتزايد اقتناع غالبية الاوساط السياسية والاقتصادية ان الوضع الراهن لا يمكن ان يستمر على هذا النحو ايا تكن الرهانات التي يعقدها البعض سواء بان انهيارا اقتصاديا يمكن ان يسمح لقوى معينة ان تعيد صياغة اقتصاد البلد من جديد وفق التفسيرات لمواقف مسؤولين يتركون انطباعا من هذا النحو او كانت على ان تغييرات سياسية معينة يجب ان تحصل وتحدث صدمة ايجابية. هل الكباش راهنا هو بين ايران اولا على الساحة اللبنانية او انقاذ الوضع المالي اولا قياسا على مواقف لـ"حزب الله" يبرز فيها ايلاء مصلحة ايران في الدرجة الاولى بما يمكن ان يطيح اي مساعدة خليجية او خارجية للبنان، فمن يمكن ان يكسب؟ وهل المواقف التصعيدية ضد دول الخليج فيما يسعى رئيس الحكومة سعد الحريري للحصول على التزامات "سيدر" شبيهة بما كان يفعل النظام السوري مع والده الراحل ام ان الامر مختلف؟
يستبعد سياسيون مطلعون ان يكون لدى اي فريق مصلحة في انهيار الوضع الاقتصادي على قاعدة اعادة صياغة نظام اقتصادي ومالي جديد بمن في ذلك "حزب الله" انطلاقا من ان لا قدرة لاي فريق على القيام بذلك. ويشهد على ذلك ان تدخلات ايران في دول المنطقة حيث تفاخر بنفوذها انما ساهمت في تقويض هذه الدول واقتصاداتها وليس في استطاعتها ان تساهم في بناء اقتصادات جديدة في ظل العجز الذي تعاني منه في شكل خاص. لا بل هناك حلفاء للحزب يقدمون اسبابا تخفيفية لخطابه المرتفع السقف على خلفية الضيق الذي يعاني منه على مستويات متعددة نتيجة العقوبات في شكل خاص وانعكاسات التضييق على بيئته ومؤيديه في ظل العجز عن الذهاب الى حرب يظهر فيها قوة سلاحه وهو ما لا يريد تسليط الضوء عليه بل يرغب في اظهار مظهر معاكس. يضاف الى ذلك ان جمهور الحزب سيعاني شأنه شأن جميع اللبنانيين من اي انهيار يمكن ان يحصل بحيث تتعذر رؤية مصلحته في ذلك ولا يمكنه ان يتحمل شأنه شأن عدم القدرة على الذهاب الى حرب لن توفر نتائجها التسبب بانهيار مالي على رغم ان المواقف التي يتخذها يمكن ان تتسبب في ذلك خصوصا في حال رأى خصومه مصلحة في توظيف انعكاسات خطابه السلبية على الواقع اللبناني. لكن حلفاء الحزب انفسهم يقولون انه يسعى الى الاستفادة من اوراق معينة على غرار استفادة ايران من عدم رغبة الرئيس الاميركي الذهاب الى حرب في المنطقة من اجل اللعب على شفير الهاوية بالنسبة الى استهداف المملكة السعودية، وهي اللعبة نفسها التي يلجأ اليها الحزب على قاعدة انه يأخذ مداه لثقته بان هناك من يدعم لبنان ولا يريد انهياره لان ذلك لا يصيب الحزب بل يصيب جميع اللبنانيين وهناك جهود يبذلها اركان في الدولة من اجل ذلك كما ان دولا عدة يهمها الا ينزلق لبنان الى ما يصيب دولا عدة في المنطقة. لكن الامر يتعلق ايضا بالصراع لتعزيز المواقع في ظل متغيرات مفاجئة وخطيرة تظهر انه لا يمكن اعتبار ما يجري مكاسب في الواقع حتى الان. فالمتغيرات في اسرائيل مهمة بعد الانتخابات الاخيرة وان كانت ترشح اسرائيل لمرحلة غير مستقرة على وقع حكومة ائتلافية تبقى عوامل تفجرها قائمة او على مستوى دخول العامل العربي بقوة في الانتخابات وتأثيره فيها بحيث قد يحتم مقاربات مختلفة لمصلحة الفلسطينيين اذا احسن هؤلاء ومعهم العرب ادارة هذه المسألة. وهناك الجديد الطارئ في مصر والذي يبدو وكأنه يعلن ان استتباب ادارة الامور كما في الماضي لن يستمر في حال لم يقرأ الزعماء العرب المتغيرات في بلدانهم وفق ما يجب ويعملون من اجل اشراك رعاياهم في تقرير شؤون البلاد وليس الاستفراد بها فحسب. وهو امر سرى بالنسبة الى السودان كما بالنسبة الى الجزائر بحيث يكون لكل هذا انعكاسه على سوريا التي وان سرى الاعتقاد بان بشار الاسد سيبقى مسجلا انتصارا في هذا السياق فانه يبقى تحت الوصاية الروسية في شكل اساسي ومعه بنسبة اقل الوصاية الايرانية مما لا يجعله سيدا على بلاده ولن يجعله كذلك ولو بعد حين. فيما ان العراق يتخبط كلبنان من اجل انقاذ شبح وجوده كدولة في ظل كل الصراعات التي تتحكم به وكذلك الامر بالنسبة الى النفوذ الايراني وصولا الى الاردن الذي يناضل لإبعاد كأس تداعيات ما يسمى "صفقة القرن" ان تأتي تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على حسابه.
حتى الان سعى البعض الى القاء تبعة الصعوبات الاقتصادية على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الحزب وتطاول الكثير من داعميه من خلال قول مسؤولين كبار ان العقوبات تضغط على كل اللبنانيين. وهذا امر صحيح لكنه يحتمل النقاش ايضا علما ان الاميركيين يحرصون في المقابل على التمييز بين العقوبات على الحزب ومن يدعمه وبين الارادة المعبر عنها في دعم اقتصاد لبنان وجيشه كما في دعم قطاعه المصرفي. لكن مسار الامور في عرقلة الافرقاء الداخليين اتخاذ قرارات حاسمة للاصلاح الاقتصادي والمعالجة المالية كما المواقف التهديدية العالية النبرة لـ"حزب الله" والتي تقزم من دور مؤسسات الدولة ومواقعها الدستورية تترك الكرة في ملعب الحزب الى حد كبير ربطا بالتزامات غربية بمساعدة لبنان في النأي بنفسه وحمايته من لهيب المنطقة في الوقت الذي يستمر الحزب يربط لبنان بهذا اللهيب من خلال دوره الاقليمي ونقل معركة ايران الاقليمية والدولية الى الساحة اللبنانية. في اي حال يعتقد ان طغيان خطاب الولاء لايران يغلب على اي اعتبار اخر.
روزانا بومنصف - النهار