أخبار عاجلة
بشأن وقف النار في لبنان.. رسائل بين واشنطن وطهران! -
أميركا: قصف منشأة لتخزين الأسلحة في سوريا -
بيان جديد لمصرف لبنان -

باكتيريا خطرة تستوطن غرفة العناية بالأطفال في أوتيل ديو

باكتيريا خطرة تستوطن غرفة العناية بالأطفال في أوتيل ديو
باكتيريا خطرة تستوطن غرفة العناية بالأطفال في أوتيل ديو

"عم يقولو بالمستشفى في جراثيم كتيرة، وبدو حرق تا يمشي الحال. معقول يكون راوي نصاب بشي بكتيريا بالمستشفى؟"، قالت قريبة زوجتي التي زارتنا صبيحة اليوم الأول لدخول ابني راوي إلى قسم الطوارئ في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس"، بعد أيام أربعة على ولادته فيه، في الرابع من شهر آب الفائت.

تعقيم بالحرق
عندما أجبناها أنّ نتائج الزرع لن تصدر قبل يومين، ويصعب على الأطباء تحديد سبب ارتفاع حرارته: فيروس أو باكتيريا، قالت القريبة: "سمعت إنّو عم يعمروا مباني جديدة للمستشفى تا ينقلوا عليها، لأن الطريقة الوحيدة للتخلص من الجراثيم هي معالجتها بالحرق". ورغم الشكوك التي بدأت تراودني، لم أعلّق كثيراً على الأمر، في انتظار نتائج الفحوصات.
بدأت القصة عندما دخلت زوجتي إلى المستشفى ووضعت طفلنا راوي في الرابع من آب. وسرعان ما تبيّنت الفحوصات أنه يحتاج للعلاج بالضوء في غرفة العناية الفائقة، بسبب ارتفاع مادة "البليروبين" في دمه. وبعد ثمان وأربعين ساعة ونيف، حملناه إلى البيت في التاسع من شهر آب.

كان تعِباً، فقيل لنا إنّ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بجعله قوياً ونشيطاً. لاحظنا تراجعاً في تناوله الغذاء، واستغراقه في النوم ساعات تفوق الخمس، من دون تناوله الحليب. وحين نوقظه يفتح عينيه بصعوبة. استمرّت حالته الصحية بالتراجع تدريجياً، مع شحوب في لون وجهه وقلّة الحركة. بعد التواصل مع طبيب الأطفال الذي نثق به، نصحنا بالتوجه إلى حيث ولد، لأنّ عمره أياماً عشرة فقط. بعد الفحص السريري تبيّن أنّ حرارته بدأت ترتفع، ما استدعى فحوصات للدم والبول. وأبلغنا طبيب الطوارئ بأنّها غير كافية، ويجب سحب عيّنة من ماء النخاع الشوكي، وأنّ المسألة بروتوكولية ولا تعني أنّه مصاب بالسحايا.

متاهة البكتريا
في الصباح، أتى طبيب راوي المسؤول عنه منذ ولادته في المستشفى، فأبلغنا أنّه ربما يكون مصاباً بفيروس ما، وسألنا عن إمكان إصابته بعدوى الزكام من شخص مصاب به في العائلة. في اليوم الثاني أخبرنا إنّه مصاب بباكتيريا من فصيلة "غرام نيغاتيف"، ويحتاج إلى يوم إضافي لمعرفة اسمها بالتحديد، ليصار إلى استبدال المضادات الحيوية بالترياق المناسب لها. ولدى استفسارنا منه عن مصدر هذه البكتيريا، وما إذا كان التقطها في المستشفى، ردّ نافياً: "مستحيل، في العناية ما عملنا شي غير الفوتوثيرابي. ممكن تكون بسبب تضخم الكلية والتهاب في جهاز البول. رح نعمل صورة صوتية ونتأكّد".

بالتوازي، ومنذ دخول راوي إلى "أوتيل ديو"، كنت على تواصل دائم مع أحد الأطباء المتخصّصين بحديثي الولادة. أبلغه بكل جديد عن صحة راوي وأي معلومة طبّية تصلنا من الأطباء الذين زاروه. أخبرت الطبيب الصديق بما قاله الطبيب المعالج عن الباكتيريا، فقال لي: "صراحة أي طفل حديث الولادة يخرج من المستشفى ويصاب بعدوى جرثومية خلال 18 يومياً، فإنّ مصدر العدوى يكون المستشفى. وهذا ليس رأيي الخاص، بل رأي علمي معتمد عالمياً". وأضاف أن هذا الأمر طبيعي ويحدث غالباً، وعلى أثره تقفل المستشفى القسم الموبوء وتعقّمه. وختم كلامه بأن المهم معرفة اسم البكتيريا لعلاجها بالدواء المناسب، وعلينا توقع أن تطول مدة العلاج وتتراوح بين أربعة أيام إلى اسبوعين في المستشفى، حسب نوع البكتيريا.
في اليوم الثالث أبلغنا الطبيب أنهم عرفوا اسم البكتيريا وقال مبتسما: "سيرّاسيا"، فبدا كأنه يقول في سرّه: ماذا ينفعكم معرفة اسمها؟! وأبلغنا إنّ مدة العلاج ستكون أياماً عشرة، بالترياق المناسب في الوريد، ما يستدعي مكوث راوي في المستشفى.

تناولت هاتفي ورحت أبحث عن أفاعيل هذه البكتيريا،  فتبيّن أنّ مكتشفها عالم إيطالي، وتتكاثر في المستشفيات. وتبيّن لي أنّ أحد حديثي الولادة توفي في مستشفى في مدينة بريشيا، بعد إصابته بها في غرفة العناية الفائقة، ما استدعى نقل جميع الأطفال إلى مستشفى آخر، وإقفال قسم العناية تمهيداً لتعقيمه بمادة هيبوكلوريت الصوديوم التي تعرف في إيطاليا باسم "الكانديدجينا".
اتصلت بالطبيب، الصديق فأخبرني أن هذا النوع من الجراثيم يعيش في غرف العناية والعمليات، وإصابة أي شخص بها دليل على عدم التعقيم المناسب، وأن هذه البكتيريا تعتبر الأخطر في فصيلتها وتؤدّي إلى موت المريض وإصابته بالسحايا وغيرها من الأمراض، وأنها تستعمر أي جهاز في الجسم وتقضي عليه.. ودعاني إلى عدم القلق على راوي لأنه اجتاز الخطر بعد اكتشافها في الوقت المناسب.

اعتراف رئيس أوتيل ديو
حيال نفي الطبيب المعالج والأطباء المتمرّنين الذين عاينوا راوي، إصابته بهذه الباكتيريا في المستشفى أثناء تلقيه العلاج بالضوء الأزرق لخفض "مادة البليروبين" في الدم، توصلت مع أطباء متخصصين بالأمراض المعدية، إلى أنه أصيب بالبكتيريا في المستشفى، وتحديداً في قسم عناية الأطفال، لا في غرفة العمليات حيث ولد، لأن زوجتي لم تصب بمضاعفات بعد عملية الولادة القيصرية التي خضعت لها.
بعد إنكار العدوى، تواصلت مع رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش، فأكّد إنّ الجرثومة موجودة في المستشفى، وثمة لجنة طبيّة تتابع الموضوع للتخلص منها، وأنّ المعالجات الطبية في "أوتيل ديو" نجحت في الحدّ من آثار المصابين بها، بفضل فرق العمل الطبيّ الذي لديه خبرة واسعة في هذا المجال.

لم أطلب من دكاش أي تعويض للضرر النفسي والجسدي الذي ألمّ بنا، وجل ما طلبته ضمان شفاء راوي وعدم حصول مضاعفات مستقبلية لديه، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم إصابة أطفال آخرين بهذه الباكتيريا.

مستشفى أخرى
بعد أسبوع على خروج راوي، وخضوعه لعلاج بالمضادات الحيوية مدة 14 يوماً، قيل لنا إنها أكثر من كافية، وتخلّص من الباكتيريا نهائياً كما أظهرت الفحوصات.. عادت حرارته إلى الارتفاع مجدّداً. طلب منا طبيب أطفال العائلة التوجه إلى مستشفى مار يوسف حيث يعالج مرضاه. وبعد أسبوع من الفحوصات المخبرية والزرع تبيّن أنّ الباكتيريا ما زالت مستوطنة في جلده، على ما دلت فحوصات زرع قيح دملة في يده، ظهرت بعد خروجه من أوتيل ديو بثلاثة أيام، ولم يعرها الطبيب أي اهتمام في البداية. ثم تبيّن وجود الباكتيريا في الجهاز التنفسي حسب نتائج زرع المخاط. وهذا استدعى خضوعه للعلاج مجدداً بالمضادات الحيوية أياماً عشرة في المستشفى.

ولأن ظهور الباكتيريا مجددا في جسمه أمر غريب، ما يعني أنها ربما تكون مستوطنة في أماكن أخرى من جسمه، وقد تستيقظ في أي وقت حال التقاطه أي فيروس عادي، بات علينا لزاماً متابعة وضعه الصحي مع طبيب أمراض معدية. لذا عاودت التواصل مع البروفسور دكاش طالباً منه تشكيل لجنة طبية لدراسة ملف ابني والاستعانة بالخبرات الفرنسية التي تتعاون معها المستشفى، والتكفل بالتكاليف التي لا قدرة لنا عليها، ولم نطالبه بأي تعويض مالي لقاء الضرر المضاعف الذي حدث لعائلتنا. وطلبنا منه تحديد موعد للقائه شخصياً، ولكنه بعد مرور أسبوع لم يرد على البريد الإلكتروني.

في خدمة الباكتيريا؟
تتحجج المستشفيات بأن المرضى الذين يدخلون إليها معرّضين لمثل هذه الإصابات، وهي من ضمن الأضرار الجانبية التي تحدث في أي مكان في العالم. لكن هذا لا يعني ألا تتحمّل المستشفى المسؤولية عن المصابين، وأبسطها معالجتهم حتى الشفاء التام. فلو حدث أمر مماثل في فرنسا، والتي تتّخذها أوتيل ديو مرجعاً، لكان أقفل المستشفى ونقل جميع مرضاه إلى مكان آخر، واتخذت الإجراءات اللازمة لضمان عدم وجود تلك الباكتيريا حفاظاً على صحة المرضى. هذا فضلاً عن التعويض المالي على المصاب وعائلته.

لكن القيّمين على أوتيل ديو يتسلّحون بالفلتان اللبناني المعمّم، في انتظار انتهاء تشييد المباني الحديثة لنقل المستشفى إليها، تمهيداً لمعالجة المباني القديمة بالحرق. لا نعلم إلى متى تدوم عملية المعالجة، وكم طفل سيصاب! والإعلان الترويجي الملصق على جدران كثيرة في المستشفى: "في خدمة الحياة"، هل يكون في خدمة الباكتيريا؟! ربما على وزير الصحة جميل جبق التحرك ليأتينا بالإجابة المناسبة.

وليد حسين - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى