من الواضح تماما أن الهجمات الإيرانية الأخيرة على منشآت "أرامكو" في المملكة العربية السعودية كانت ضربة كبيرة، واستراتيجية وجهت الى المملكة وحلفائها في الإقليم ودوليا. ومن الواضح أن الهجمات ستشكل منعطفا في المواجهة العربية – الدولية مع إيران، إذ إن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة دوليا، والسعودية عربيا، سيتعين عليه ان يدرس خيارات جديدة في المواجهة مع إيران التي تخطت في الهجمات على منشآت "أرامكو" خطوطا حمرا تستدعي ردا من التحالف، مناسبا وفعالا، يمنع ايران مستقبلا من تخطي الخطوط الحمر، أي شن هجمات مباشرة بحجم هجمات "أرامكو" على الاراضي السعودية، او على أراضي أي دولة خليجية أخرى. فعدم الرد على ما حصل سيكون بمثابة إجازة مفتوحة لطهران بمواصلة تخطي الخطوط الحمر، لا بل بتخطيها والذهاب أبعد منها. ولكن هل الرد المباشر والاستراتيجي بنتائجه في موازاة هجمات "ارامكو"، مفيد في الوقت الحاضر، ام ان الاكتفاء ببرنامج العقوبات الاقتصادية القاسية كاف؟
لا شك في أن العقوبات الأميركية القاسية على الاقتصاد الإيراني بدأت تؤتي نتائج حقيقية، فالمؤشرات الاقتصادية الإيرانية كارثية على كل الصعد، النفط الإيراني لا يجد من يشتريه، بعدما انخفضت الصادرات النفطية الى حدود ٣٠٠ الف برميل من أصل ثلاثة ملايين قبل العقوبات، وكل المحاولات الاوروبية التي تقودها فرنسا لاختراق العقوبات الأميركية باءت حتى الآن بالفشل، كما أن الابتزاز الإيراني على مستوى خفض التزاماتها النووية ما غيّر الموقف الأميركي الذي يتمحور حول ثلاثة مطالب رئيسية: إعادة التفاوض على مدة الاتفاق النووي القصيرة، والتفاوض التنفيذي بهدف وقف برنامج الصواريخ الباليستية، ووضع السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة على المشرحة لإنهاء ظاهرة الأذرع الإيرانية الأمنية والعسكرية من لبنان الى سوريا والعراق واليمن وغزة. كل ما تقدم يفسر في مكان ما سياسة الاستفزاز الإيرانية على المستوى الأمني – العسكري، بدءا من قرصنة ناقلات النفط، وصولا الى هجمات "أرامكو"، مرورا بتكثيف الهجمات الصاروخية الحوثية من الجنوب على المملكة العربية السعودية، ومحاولة "حزب الله" وحركة "حماس" رفع منسوب التوتر مع إسرائيل. من هنا يمكن فهم تمهّل الاميركيين في الرد على ضربة "أرامكو" عسكريا، ومواصلة الضرب بعقوبات إضافية من شأنها تضييق الخناق أكثر على الاقتصاد الإيراني، لأن طهران تختنق، على العكس من خصومها في المنطقة.
ولكن، ثمة رد من جانب التحالف العربي – الأميركي ينبغي درسه لضمان أن تكون هجمات "أرامكو" الأولى والأخيرة من هذا المستوى، ولكي تبقى المواجهة عبر الوكلاء، وهذا بالذات يجب ان يكون ردا مؤلما جدا، وقد لا يكون عسكريا موازيا للهجمات المشار اليها، بل من نوع آخر. انما ثمة نوافذ عدة لإيلام الإيرانيين استراتيجيا، وهي بحسب ديبلوماسي غربي معتمد في بيروت "الضرب الدائم للاذرع الإيرانية في العراق ولبنان وخصوصا سوريا، كل بالوسائل المناسبة، والعمل الاستخباري الجدي على الداخل الإيراني ولا سيما في الأطراف. فاستهداف "الحشد الشعبي" في العراق وسوريا يؤذي الإيرانيين، وضرب الميليشيات المتنوعة المشارب والمنابع المنتشرة في سوريا مفيد جدا، واستهداف "حزب الله" عسكريا في سوريا، وماليا واقتصاديا في لبنان، وملاحقة عملائه في العالم كلها خطوات تتعب الإيرانيين بمقدار كبير، وتمنع النظام هناك من استغلال المواجهة لتحشيد الداخل خلف السياسات التوسعية".
علي حمادة - النهار