هناك، على مقربة من صبرا وشاتيلا الشاهدتين على مقتلة الفلسطينيين، تجمعوا مئات، أطفالاً وشيوخاً ونساء وفتياناً في ساحة سوق الخضر قرب المدينة الرياضية، في مقابل مركز منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بعدما منعتهم القوى الأمنية من تنفيذ الاعتصام أمام مبنى المنظمة، كي لا يقفلوا الأوتوستراد المؤدي إلى مطار بيروت.
غضب من الأونروا والفصائل
نحو ثلاثمئة فلسطيني تجمهروا للاعتصام الذي دعت إليه "الهيئة الشبابية الفلسطينية"، قبل ظهر الخميس في 19 أيلول، فصبوا غضبهم على الأونروا والأحزاب والفصائل الفلسطينية، وعلى بؤس عيشهم في المخيمات.
بلافتات كتبت باللغتين العربية والإنكليزية، رجاء وصول أصدائها إلى القيّمين على المنظمة الدولية، عبّر المعتصمون عن انهيار، بل انعدام ثقتهم بالأونروا. جمع منهم تجمهر خلف لافتة كبيرة، تطالب بنقل ملفاتهم الشخصية من الأونروا إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، دلالةً على يأسهم من الحفاظ على حق العودة التي ترعاها سجلّات المنظمة. آخرون رفعوا لافتات كتبت بخط اليد: "لسنا بحاجة للأونروا" و"أنا لاجئ منذ العام 1948 محروم من أبسط حقوقي في تملك منزل، والأونروا لا تدفع من الطبابة سوى 10 في المئة"، معبرين في هذا عن حنقهم من المنظمة الدولية التي ترعى شؤونهم منذ 1948. ولعل اللافتة التي رفعها كهل يائس بائس: "أنقذوا أطفالنا من الظلم والفقر والاضطهاد"، تعبّر عن معاناة الفلسطينيين، ليس مع المجتمع الدولي فحسب، بل مع الدولة اللبنانية وقوانينها أيضاً.
هايدبارك فلسطيني
في هذا الاعتصام الذي أرادته "الهيئة" ألا يكون حاشداً، بل تحذيرياً، حوّل المعتصمون تلك الساحة إلى "هايدبارك". راح الجميع يلتقطون مكبر الصوت لعرض مطالبهم أو لشرح معاناتهم الشخصية الناجمة عن حصار الدولة اللبنانية لهم، وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية، والتعبير عن حنقهم على فصائلهم السياسية والعسكرية، ووصاية الأونروا عليهم وانحسار تقديمتها، ملقية بهم في العراء، وإلى مزيد من البؤس وفقدان الأمل: "ما بدنا وصاية الأونروا بدنا الكرامة"، راحت سيدة تهتف بالجموع، عندما حان دورها وتسلمت الميكروفون. أما الشاب الذي سبقها فأفرغ غضبه على الفصائل، لأنها تتهمهم بالعمالة لجهات خارجية، بسبب مطالبتهم باللجوء إلى دول أوروبية وغربية. وصرخ بأعلى صوته: "الفصائل عم تاجر فينا وتتهمنا بالعمالة... بدنا لجوء انساني وسياسي وهجرة من هالبلد كمان".
وعندما تسلم مكبر الصوت طفل للإدلاء بدلوه صرخ: "أريد أن أعيش في بلد يحفظ لي حقوقي، وحق التعلم والعيش بكرامة"، فأضافت سيدة صارخة: "طردوهم من المدارس لأنن فلسطينيين. أخي لا يجد عملاً لأنه فلسطيني. حتى من هم من أم لبنانية لا يحق لهم العمل... رح نموت بالمخيمات، طلعونا منها".
رجل آخر رث الثياب أدلى بدلوه، فقال:"أجمع الخردة من أكوام النفايات لأعيش.. بتعرفوا شو يعني زبالة؟ أنا عم آكل وأشرب من الزبالة. إبني بحاجة لأربعين ألف دولار لعملية تركيب بطارية للقلب. لم تدفع لي الأونروا منها إلا مليون ليرة". وفيما هو يتكلم كان الرجل يلّوح بالملفات الطبية في الهواء، شاتماً الأونروا ومنهياً كلامه: "منشان الله سفرونا".
وألقى رئيس الهيئة الشبابية كمال عقل كلمة في المعتصمين، محمساً على ضرورة رفع الصوت كي تفرج الأونروا عن ملفاتهم، لنقلها إلى المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، للحصول منها على حق اللجوء. صاح عقل: "مشكلتنا مع الأونروا ستطول، وسننصب خيمة دائمة أمامها"، معلناً عن التحضير لخطوات تصعيدية أخرى. وقال إن الهيئة ستلجأ إلى جميع الفاعليات السياسية والروحية في لبنان، وكل الفصائل الفلسطينية، وجميع مؤسسات الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الانسان لتحقيق المطالب.
لرفع وصاية الأونروا
في حديثه إلى "المدن" لفت عقل إلى أن مطلبهم الحالي والوحيد هو رفع وصاية الأونروا للراغبين، ونقل ملفاتهم إلى "مفوضية اللاجئين". فـ"الأونروا الوصية على الفلسطينيين يفترض أنها تأسست لضمان حقوقهم الإنسانية والمدنية، بحسب الاتفاقية الدولية للعام 1951 التي وقع عليها لبنان، لكنها متقاعسة ومتخاذلة ولا تطالب بحقوقنا، ليبقى الفلسطينيون عبئاً على لبنان، ويتاجرون بهم".
وأضاف أن قناعتهم بانعدام حصولهم على حقوقهم، يحملهم على المطالبة برفع الوصاية عنهم، خصوصاً أنهم تلقوا إجابات خطية ورسمية من السفارة الكندية والاتحاد الأوروبي والسفارة الأسترالية، عندما اعتصموا أمامها، وأفادتهم بأنها لا تستطيع قبول طلبات لجوئهم بسبب وصاية الأونروا عليهم. وأبلغتهم بضرورة فك الوصاية ونقل ملفاتهم إلى المفوضية كي تتمكن هذه الدول من إعادة توطينهم فيها.
ورداً على اتهام الفصائل بأن جهات خارجية تقف خلفهم وتحركهم تمهيداً لصفقة القرن، سخر عقل مشيراً إلى نفسه والشباب المتجمعين حوله، وقال: "هل هذه هيئة أناس تلقوا أموالاً طائلة وتقف خلفهم جهات خارجية؟ لو وراءنا جهات خارجية لكنا تمكنا من القيام بأمور أهم بكثير، وما دفعنا من جيوبنا لنقل الناس إلى أماكن الاعتصامات. ليس هناك من فصيل فلسطيني واحد جلس واستمع إلينا وإلى مطالبنا. إذا رأوا فيها شيء من العمالة فليحاسبونا. نحن لا نطالب بإقفال الأونروا. نريد أن نتركها لهم كي يعيشوا في ظل رخائها. لكن كي نخرج من هذا السجن الكبير يجب أن تقبل الأونروا بنقل ملفاتنا منها". وكشف عن أن عدد طلبات الراغبين باللجوء بات 65 ألفاً حتى الساعة موزعين على 11 ألف عائلة موثقة جميعها بحسب بطاقات الإعاشة، وسيحملونها إلى السفارات بعد أن تفك الأونروا أسرهم.
وليد حسين - المدن