أخبار عاجلة
بشأن وقف النار في لبنان.. رسائل بين واشنطن وطهران! -
أميركا: قصف منشأة لتخزين الأسلحة في سوريا -
بيان جديد لمصرف لبنان -

إيران في الخليج اليوم كما حزب الله في لبنان

إيران في الخليج اليوم كما حزب الله في لبنان
إيران في الخليج اليوم كما حزب الله في لبنان

قد يكون اللبنانيون أكثر من ينظر بعين الخبرة إلى تطور الأحداث ومجرياتها بين إيران ودول الخليج، وكيفية التعامل الدولي مع هذه الأزمة. فقد شكّل لبنان حقل اختبار على مدى سنوات، لكل هذه الصراعات التي تفجّرت في المنطقة، وتحولت إلى صراع جيوستراتيجي، بعد انتهاء المعضلة اللبنانية لصالح حزب الله، الحليف الوثيق لإيران. ففي الوقت الذي اتجه فيه لبنان إلى التسوية التي عرفت بتسوية "سين سين" (سوريا – السعودية) ومن ثم الإنقلاب عليها من قبل الإيرانيين، والاستحواذ على الملف اللبناني كاملاً، وصولاً إلى تسوية العام 2016، كان على الجميع أن يقرأ تلك النتائج ويبني عليها مقارناته لسياسته.

الخوف من العرقنة 
منذ اجتياح العراق، وسقوط نظام صدّام حسين، جرى شبه استنساخ للنموذج اللبناني، على طريقة التوزيع الطوائفي للسلطات والمواقع، فقيل في ذلك "لبننة النظام العراقي"، بينما لبنان كان يخشى بعد اغتيال رفيق الحريري من "عرقنة" نموذجه وإغراقه في بحيرة من الدماء. هاجس العراق وبرك الدم شكلت هاجساً واحداً أمام القوى اللبنانية التي وجدت نفسها مستهدفة، فاستمرت في معركتها السياسية لمدة سنوات قليلة مستندة إلى دعم إقليمي ودولي، لكن بلا رؤية وبلا أفق. فنجا لبنان من العرقنة بالاستسلام والتسليم.

خيّم هاجس "العرقنة" على لبنان منذ اغتيال الحريري وعمليات الاغتيال التي تلته، وصولاً إلى أحداث نهر البارد في العام 2007، حين استُخدمت تنظيمات إرهابية وأصولية تم تصنيعها لاستهداف الجيش والمدنيين، بطريقة مشابهة لما حصل في العراق، الذي غرق في حروب طائفية ومذهبية. وبين خريف 2006 و7 أيار 2008، كانت المعركة المباشرة التي خاضها حزب الله وحلفاؤها ضد القوى السياسية المعارضة، لإجبارها على الخضوع والاستسلام. وهذا أيضاً نموذج طبّق في العراق عبر الحشد الشعبي وغيره من حلفاء إيران.

الابتزاز بالأمن 
بهذا الاستسلام، تجنّب لبنان الغرق في دوامة حرب إما مشابهة لحروب لبنان الثمانينات أو مشابهة لما جرى في العراق. وقبل هذه الأحداث الأمنية الكبرى، كان لبنان في لحظات انقسامه العمودي، قد شهد ابتزازاً بالأمن والعنف من قبل قوى الثامن من آذار بقيادة حزب الله، لكل اللبنانيين، وسياسياً، واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً، بغية تحقيق أهداف سياسية، وإجبار خصومهم على تقديم التنازل تلو التنازل. استخدم حزب الله حينها اللعبة نفسها التي تستخدمها إيران اليوم في الخليج، وتهديدها بتوسيع جبهات الحرب في حال شنّ أي ضربة عليها.

كان حزب الله يومها، يهدد بشلّ البلاد، وبتنفيذ عصيان مدني، مترافق مع عمليات اغتيال، والتلويح باستخدام السلاح، وبمحاصرة السراي الحكومي، وتطويع كل القوى السياسية، وهو غلّف اجتياحه لبيروت، بتظاهرات دعى إليها الاتحاد العمالي العام، فخلط السياسة بالعسكر والأمن والمطالب الشعبية. أحكم بهذه السياسة على مفاصل البلد المختلفة. وكانت القوى الأخرى تُستنزف مقدّمة التنازل تلو الآخر، وسط فقدان أي مبادرة سياسية، أو فعل سياسي حاسم، والاكتفاء بردّ فعل أقل من المتوقع، وأصغر بكثير من حجم الصفعة التي كانت هذه القوى تتلقاها.

نجح حزب الله في إدارة معركته طوال تلك السنوات، بتخيير اللبنانيين بين الأمن والاستقرار مقابل الاستسلام السياسي النهائي أو الحرب والفوضى. وعند كل ضربة، كانت القوى المعارضة للحزب تفتقد للتوازن أكثر، وتفقد أي ورقة سياسية تمسكها، إلى أن نجح حزب الله بفرض شروطه في إدارة اللعبة السياسية، وتشكيل الحكومات وترتيب الانتخابات النيابية والرئاسية، وصولاً إلى تتويج مسيرته بالسيطرة على البلاد، مع حفاظه على حضور شكلي لخصومه في السلطة، لأنه بحاجة إليهم، ولأنه يعلم أن لبنان لا يدار من قبل فريق واحد بمفرده، وهو لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية موازية لمسؤوليات "الدولة الشرعية". وهذا ما هو حاصل اليوم.

عليّ وعلى أعدائي
عامل الخوف من الإلغاء أو الشطب من المعادلة السياسية لدى الخصوم، هو الذي مكّن حزب الله من تحقيق ما سعى إليه. وهذا نفسه حققته إيران في العراق وفي سوريا أيضاً، التي تحول الصراع فيها من ثورة مدنية شعبية إلى حرب عسكرية بين قوى متطرفة وراديكالية. هذا النموذج جرى تهديد اللبنانيين فيه بنهر البارد، أو في الحملات التي شنّت على عرسال واتهامها بأنها تأوي تنظيمات إرهابية، بينما عندما تحققت الحاجة السياسية، انتفت هذه الاتهامات وعادت عرسال "إلى حضن الوطن".

هذه الصولات اللبنانية التي وجد معارضو حزب الله أنفسهم أمام خيار وحيد هو مسايرته والتسليم له، بكل ما يريد سياسياً واستراتيجياً، مقابل الحفاظ على وجودهم، هو نفسه الذي يتكرر في الخليج اليوم، وسط اشتعال نيران التصعيد والمواجهة (فعلياً لا مجازياً)، والذي تديره إيران بطريقة يظنها البعض شجاعة أو متهورة، وفق مبدأ "عليّ وعلى أعدائي". فإيران تقود معركتها كما قاد حزب الله معركته في لبنان، التهديد بتفجير الوضع بكليته، والتهديد بالحروب، واستخدام العنف بحساب لكن بجلاء. وكما كان اللبنانيون يخشون تجدد حروبهم الأهلية الإقليمية، ها هو نفسه حال دول الخليج والدول العربية اليوم.

تقدم المشروع الإيراني
تنجح إيران في ممارسة فن الابتزاز الذي تهواه وتتقنه. فوضعت دول الخليج في خانة واحدة، الحفاظ على الأنظمة والاستقرار مقابل التسليم بدورها في المنطقة. وكما تحول حزب الله إلى شرطي لبنان، ستتحول هي إلى شرطي المنطقة عند توقيع اتفاقها مع الأميركيين. تحقق ايران التقدم في مشروعها، بينما العرب يفتقدون إلى أي عنصر من عناصر الردّ الاستراتيجي، (بمعزل عن الرد الموضعي إذا ما حصل)، خصوصاً أن كل التهديدات بالرد على الضربات الإيرانية التي تستهدف المملكة العربية السعودية، تغلّف بعبارات "الرد المحدود، والذي لا يؤدي إلى حرب". ما يعني الاحتكام إلى معادلة الخوف. بما قد يدفع إيران ويشجعها على الابتزاز أكثر، وسط افتقاد العرب إلى أي رؤية سياسية أو عسكرية متماسكة. خسر العرب يوم خسروا سوريا والعراق ولبنان واليمن وانتقلت المعارك إلى أراضيهم، فأصبح جلّ ما يطمحون إليه هو حمايتها التي تحولت إلى ملعب في مجريات الصراع، فبات أقصى الطموح استعادة الاستقرار مقابل التنازل عن المصير السياسي.. تماما كما حدث في لبنان. 

منير الربيع - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى