تتسع أزمة شحّ الدولارات في السوق أكثر فأكثر. بعد شركات تجارة النفط والدواء والمطاحن، تبيّن أن موزعي خدمات الخلوي يعانون أيضاً من المشكلة نفسها. هم يشترون بطاقات «التشريج» من شركات الخلوي بالدولار ويبيعونها بالمفرق للزبائن بالليرة اللبنانية، فيما المصارف تمتنع عن تزويدهم بالدولارات، وهم يلوّحون اليوم بمقاطعة شركتي «ألفا» و«تاتش» بسبب «إصرار الشركتين على حصر التعامل معهما بالدولار الأميركي»، وفق بيان صادر عن نقابة أصحاب محلات الخلوي.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة «كلاس» مصطفى الشاب، إنه قرّر التوقف عن شراء حصّته من بطاقات تشريج الخلوي من شركة «تاتش»، البالغة 4 ملايين دولار شهرياً. السبب يكمن في أن «تاتش» تفرض عليه تسديد ثمن هذه الحصّة بالدولار الأميركي، فيما هو يبيع للزبائن ويقبض منهم بالليرة اللبنانية. «لم أعد قادراً على التسديد بالدولار الأميركي، لأن المصارف ترفض إجراء تحويل حاصل المبيعات من الليرة إلى الدولار»، يقول الشاب.
في السابق، كان موزعو خدمات الخلوي يحصلون على 60% من مبيعاتهم بالدولار الأميركي، وكانت المصارف تقوم بعمليات التحويل بشكل اعتيادي، إلا أنه بسبب تطورات الأزمة، لم يعد الخيارين متوافرين، ما دفع الموزعين إلى اللجوء إلى شركات الصرافة للحصول على الدولار، أي إن سعر صرف الليرة مقابل الدولار بات مرتبطاً بتسعير الصرافين، فيما شركات الخلوي «تقوم بتسعير بطاقات التشريج على أساس 1507.5 ليرات مقابل الدولار الواحد»، بحسب الشاب.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل هناك كلفة إضافية يدفعها الموزعون، هي فائدة الأموال لدى المصارف. فالموزعون يتبلّغون من شركتي الخلوي بقيمة الحصّة الممنوحة لهم، وعليهم في المقابل أن يسددوا ثمنها بشيكات مصرفية بالدولار الأميركي. المصارف تصدر هذه الشيكات للموزعين مقابل مهلة زمنية محدّدة لتسديد قيمة الشيكات، وهذا ما يسمى «تسهيلات مكشوفة». ولتسديد قيمة الشيكات، على الموزعين الحصول على الدولارات. في السابق كانوا يودعون مبيعاتهم بالدولار لدى المصارف، أي ما يوازي 60% من مجمل المبيعات، والـ40% الباقية كانوا يودعونها بالليرة ويشترون دولارات بقيمتها من المصارف.
عمليات شركات توزيع خدمات الخلوي محلية ولا تسبّب نزفاً في الدولارات
«إلا أنه بعد تقنين بيع الدولارات في المصارف، وعزوف الزبائن عن تسديد فواتيرهم الهاتفية وقيمة مشتريات بطاقات التشريج بالدولار، صرنا نتخطى مهل التسديد وصارت المصارف تفرض علينا فوائد تصل إلى 15% على التسهيلات بالدولار، وهذه النسبة من الفائدة تأكل الأرباح التي نحصل عليها من المبيعات، علماً بأن شراء الدولارات من السوق بأسعار غير الأسعار المعلنة من مصرف لبنان بات يأكل أيضاً من أرباحنا ويسبب لنا خسائر ويضعنا أمام خيارات صعبة: البيع بالليرة اللبنانية وفق أسعار الصرف المتداولة بين الصرافين، أي رفع الأسعار على المستهلك الذي لديه قدرة على التقدّم بشكوى لدى مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد وإيقافنا عن العمل، أو التوقف عن تقديم هذه الخدمات حتى نوقف نزف الخسائر».
في الواقع، إن الفرق بين ما يحصل مع شركات توزيع خدمات الخلوي وأصحاب محال الخلوي، وبين شركات النفط والدواء وباقي المستوردين مختلف جذرياً. فهذه الأخيرة تستورد السلع من الخارج، وهي مجبرة على التسديد بالدولار وتحويله إلى الخارج، ما يشكّل نزفاً لميزان المدفوعات الذي يحتسب صافي حركة دخول الأموال إلى لبنان وخروحها منهه، فيما شركات توزيع خدمات الخلوي تبيع خدمات لحساب شركات الخلوي في لبنان، أي إن عملياتها محلية ولا تسبّب نزفاً في الدولارات بين لبنان والخارج، بل أثرها محلي يتعلق بمن يحمل الدولارات في لبنان، المصارف أو الخزينة اللبنانية. وهذا يعني أنه يمكن الجهات المعنية في وزارة الاتصالات أو أي مؤسسة أخرى معنية في لبنان، إصدار الفواتير بالليرة اللبنانية وتسعير الخدمات بالليرة.
محمد وهبة - الاخبار