فرض الهجوم الصاروخي الذي استهدف منشأتي النفط في السعودية خيارات ومعضلات صعبة على الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ليست أقلها مشكلة انعدام صدقيته وميله الى التضليل والتحوير والمبالغة والكذب السافر، والتي بلغ عددها وفقا لتوثيق صحيفة "الواشنطن بوست" أكثر من 10 آلاف منذ انتخابه. والسؤال البديهي هو: لماذا يقبل العالم أي اتهامات يوجهها ترامب الى ايران، خصوصاً اذا استمرت واشنطن في رفضها كشف المعلومات الاستخبارية المتوافرة لديها؟ تقليدياً، ترفض اجهزة الاستخبارات كشف طريقة حصولها على المعلومات كي لا تضر بمصادرها او تظهر طبيعة عملها.
وهذا السؤال يؤدي الى سؤال آخر. كيف يمكن تصديق الرئيس الاميركي الذي يفترض ان تكون اتهاماته واتهامات المسؤولين الاخرين مثل وزير الخارجية مايك بومبيو لايران بانها مسؤولة عن الهجوم مبنية على معلومات من الاستخبارات الاميركية؟ والكلّ يعلم اتهامات ترامب السافرة والعلنية لاجهزة الاستخبارات الاميركية بانها تمارس الكذب والتضليل. وكان ترامب قبل تسعة أيام من تنصيبه قد قارن ممارسات أجهزة الاستخبارات ومنها "السي آي إي" بممارسات المانيا النازية. وكان ولا يزال يسخر من اتهامات هذه الاجهزة لروسيا بانها تدخلت في الانتخابات الرئاسية. وما يمكن قوله بوضوح وثقة هو ان ترامب كان ولا يزال "في حالة حرب" مع أجهزة الاستخبارات الاميركية، وهو يشكك دوماً في جدوى وصدقية المعلومات الاستخبارية المبنية على التجسس التقليدي.
وبصرف النظر عن أي اجراء أو اجراءات يقرر ترامب اتخاذها ضد ايران لمعاقبتها على الهجوم، مثل السعي الى قرار ادانة من مجلس الامن، أو محاولة اقناع الحلفاء في أوروبا تحديداً بالمشاركة في معاقبة ايران أكثر اقتصادياً أو عسكرياً، فان كل ذلك يفترض ان يكون مبنياً على معلومات استخبارية دقيقة تؤكد الموقف الاميركي. وحتى لو كان هناك رئيس مختلف في البيت الابيض وأراد مواجهة ايران عسكرياً، فان الدول الاخرى سوف تطرح مزيداً من الأسئلة الاستيضاحية على المسؤولين الاميركيين، لان اجهزة الاستخبارات الاميركية لم تتعاف كلياً من خطئها الفادح قبل الغزو الاميركي للعراق في شأن وجود اسلحة دمار شامل في الترسانة العراقية. هذه التهمة كانت السبب الرئيسي الذي استخدمته واشنطن لتبرير الغزو.
معضلة ترامب ليست فقط مع الحلفاء في الخارج، بل مع الاميركيين في الداخل. وحتى الذين يميلون الى الموافقة على ان ايران هي الجهة المسؤولة عن الهجوم، وبينهم من يؤيد ترامب، يعترفون بانه سيكون من الصعب قبول كلمة الرئيس الاميركي في هذا الصدد من دون التحقق من صدقيتها ومن أكثر من مصدر. هذا لم يحصل قط في تاريخ الولايات المتحدة. خلال ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا عام 1962، لم يجد الرئيس جون ف. كينيدي في أوروبا من يشكك في صدقيته أو في صدقية استخباراته. الرئيس ترامب هو استثناء صارخ.
هشام ملحم - النهار