ألا تستحق التربية جلسة حكومية؟

ألا تستحق التربية جلسة حكومية؟
ألا تستحق التربية جلسة حكومية؟

أن يقرر عدد لا باس به من التلامذة اللبنانيين اللجوء الى المدرسة الرسمية، فتلك مسألة تستحق وقفة ومتابعة، ليس من باب مساءلتهم عن السبب إنما لحضهم على استعادة الثقة بالتعليم الرسمي الذي لا يحظى برعاية كاملة من الدولة والقوى التي تتمثل بالسلطة. المساءلة يجب أن تكون حول إهمال هذا القطاع الذي حقق إنجازات كبيرة قبل الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان وبقي حتى وقت قريب متنفساً للبنانيين ويقدم مستوى لائقاً في التعليم، قبل أن يحوله البعض الى مكان للتوظيف السياسي والطائفي. وها هم اللبنانيون الذين يعانون الأمرّين معيشياً وحياتياً يعودون إلى التعليم الرسمي كملجأ أخير بعدما أقفلت أمامهم أبواب التعليم الخاص بفعل الأقساط المرتفعة، وبات السبيل الوحيد المتاح لتعليم أولادهم.

المفارقة التي نشهدها هذه السنة أن الإقبال على التعليم الرسمي الذي هجرته غالبية اللبنانيين منذ زمن، سببه الوضع المعيشي وعدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط، حتى في المدارس الخاصة المتوسطة المستوى. وإذا كان اللبنانيون في العادة يفضلون أن يكون أولادهم في الخاص ويدفعون أكثر من نصف مداخيلهم لتعليم أبنائهم، وتلك عادة نشأت بعد الحرب، فإن العودة الى المدرسة الرسمية لا تعني حتى الآن استعادة الثقة بها، لكنها مؤشر الى إمكان استقطاب تلامذة من الطبقة المتوسطة ثم ترميم العلاقة مع هذه الفئات وتفعيل الثقة، وإن كانت هذه العملية تحتاج إلى الكثير وهي ليست مسؤولية شخص بعينه ولا وزارة واحدة، إنما ترتبط بالسياسة التربوية والنظر الى التعليم الرسمي بوصفه حق للبنانيين ينبغي دعمه ورعايته وتوظيف كل الإمكانات لنهوضه.

في أزمة التعليم الحالية التي تضغط على أكثرية اللبنانيين، تحرك وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب لتأمين الدعم للتعليم الرسمي وتوفير كل المقومات المطلوبة لاستيعاب التلامذة الجدد، لكنه يصطدم حتى الآن بالسياسة السائدة التي لا ترى في دعم المدرسة الرسمية حلاً للمشكلة، فكيف يمكن إقناع الذين أفرغوا هذه المدرسة من مضمونها وجعلوا التعاقد عنواناً للتوظيف حتى أصبح عدد المتعاقدين يفوق اساتذة الملاك بأكثر من الضعفين. وها هي المدرسة اليوم تضعف مع إحالة أكثر من 1200 أستاذ في الثانوي والأساسي الى التقاعد، وهذا رقم سنوي بحيث بدا التعليم الرسمي يحتاج اليوم إلى ضخ دم جديد واساتذة اختصاصيين لمواد يرسخون الثقة به ويحفزون اللبنانيين على نقل أولادهم الى مدارسه وثانوياته، علماً أن الثانويات الرسمية بقيت حتى الأمس القريب تنافس أكفأ المدارس الخاصة، وأساتذتها ينهضون بالتعليم الخاص ويدرّسون فيه ساعات يتيحها لهم قانون التعليم.

الواقع المأسوي لفئات من اللبنانيين تتخبط وتعاني في اجتراح السبل لتعليم أبنائها، يفرض على الحكومة عقد جلسة مخصصة للتربية تناقش وتجترح الحلول، وتوفر على الأهالي عناء البحث عن بدائل، وهي بالفعل موجودة ومتاحة في المدرسة الرسمية إذا ما توافر لها الدعم والرعاية والثقة...

ابراهيم حيدر - النهار

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى