في الطريق بين واشنطن وطهران، سقط جون بولتون. في مناخ الحرب احتاجه دونالد ترامب، وتخلى عنه في مناخ التفاوض. ربما يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتشبث بالديبلوماسية، عن قصد او غير قصد، من أكثر المتسببين برحيل أكثر رجال ترامب تشدداً.
ومن غير تسرع في بث أجواء تفاؤلية لإقالة بولتون وانعكاس ذلك على العلاقات الاميركية-الإيرانية، لا يجوز التقليل من الخطوة التي أقدم عليها ترامب. كيف لا، وهناك سباق محموم بين الديبلوماسية والخيار العسكري في التعامل الاميركي مع ايران. يحدث هذا منذ اعلان ترامب إنسحابه من الاتفاق النووي مع ايران، بعد شهرين فقط من تعيين بولتون في منصبه. وليس من العسير الربط بين الحدثين، والدور الذي لعبه بولتون في إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. وبولتون هو من اقنع ترامب بأن معاودة اميركا فرض العقوبات على ايران وشن حملة "الضغط الاقصى" عليها، من شأنها حرمان النظام الايراني من الاحتفال بالذكرى الاربعين للثورة. صحيح أن ايران تعاني من "الحرب الاقتصادية"، لكن النظام لم يسقط.
وهذا ما وضع ترامب أمام خيارات صعبة. فاللجوء الى اسقاط النظام الايراني بالقوة على غرار افغانستان والعراق، فكرة لا يحبذها ترامب. والاستمرار في سياسة العقوبات، وضعت ايران في مواجهة مع حلفائها المتمسكين بالاتفاق النووي مع ايران، ولا سيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وقاد ذلك السياسة الاميركية الى مأزق. وكان على ترامب ان يبحث عن ضحية، لكسر المأزق والذهاب في "الحل الفرنسي" الذي بدا أشبه بسلم يوفر للرئيس الاميركي النزول عن شجرة التصعيد مع ايران.
في هذا المناخ، ارتأى وزير الخارجية مايك بومبيو السير خلف ترامب، فأظهر ليونة غير معتادة حيال ايران في الايام الاخيرة، إنسجاماً مع مناخات التهدئة، التي تلت قمة مجوعة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا.
ما أعلنه ماكرون وهو يقف الى جانب ترامب، عن امكان عقد لقاء بين الرئيس الأميركي والرئيس الايراني حسن روحاني "في الاسابيع المقبلة"، لم يكن زلة لسان صدرت في غير موقعها. لا بد أن الرئيس الفرنسي استند الى معطيات معينة، جعلته يتبنى جانب التفاؤل. وقبل قمة مجموعة السبع وخلالها، كانت المشاورات الفرنسية-الايرانية في ذروتها. وبلغت الذروة باستقبال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في مدينة بياريتز مكان انعقاد القمة.
لا حاجة الى بذل كبير عناء للاستنتاج، بأن الديبلوماسية هي التي تشق طريقها بين أميركا وإيران، وأن المرحلة تقتضي التخلص من الرؤوس الحامية في البيت الابيض.
لعل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، اكثر المتفاجئين بقرار إقالة بولتون، خصوصاً وانه منذ عزوف ترامب عن الرد عسكرياً على اسقاط ايران طائرة استطلاع اميركية فوق مضيق هرمز في حزيران، يستبد به القلق من النوايا الاميركية حيال ايران. وتعبيراً عن هذا القلق تصعد إسرائيل قصفها الإقليمي، بينما هي في الواقع غير مرتاحة لتبدل اللهجة الاميركية حيال ايران. وقد عاتب نتنياهو، ماكرون على تبنيه الديبلوماسية حيال ايران.
بولتون، كان أحد "فريق الباءات" الذي يقول ظريف أنه يسعى الى الحرب مع إيران، الى جانب نتنياهو وبومبيو. أمس سقط بولتون. وبومبيو لبس قناع الحمائم. والعين على انتخابات اسرائيل في ١٧ ايلول الجاري. فهل ينجو نتنياهو؟ ومن المؤكد أنه يدرك دقة المرحلة؛ ولذلك وعد بضم غور الاردن ومستوطنات الضفة في حال فاز في الانتخابات.
سميح صعب -المدن