لبنان يستعد لليوروبوند الأكثر كلفة في هذا القرن

لبنان يستعد لليوروبوند الأكثر كلفة في هذا القرن
لبنان يستعد لليوروبوند الأكثر كلفة في هذا القرن

أطلق رئيس الحكومة ووزير الماليّة وحاكم المصرف المركزي في اجتماعهم الأخير التحضيرات المطلوبة لإنجاح إصدار جديد لسندات اليوروبوند، والتي تمثّل سندات الدين السيادي الصادرة بالعملة الصعبة. ويمثّل هذا الحدث منعطفاً مهماً في تطوّرات الوضع المالي اللبناني. إذ يأتي هذا الإصدار بعد فترة طويلة من الانقطاع عن إصدار سندات اليوروبوند، حين كان مصرف لبنان يؤمّن التمويل المطلوب للدولة لسداد السندات المستحقّة بالدولار، من دون إصدار سندات جديدة للاستدانة من الأسواق.

الأعلى فائدة في العالم
وحسب المعطيات التي قدّمتها وكالة بلومبيرغ الأميركيّة، فقد يكون هذا الأصدار بالتحديد الإصدار الأعلى من ناحية الفوائد المسجّلة على السندات السياديّة في العالم، خلال هذا القرن. فبسبب انخفاض قيمة السندات السياديّة اللبنانيّة في الأسواق، ارتفعت العوائد على سندات اليوروبوند اللبنانيّة إلى حدود 14.7 في المئة، بينما تشير الأرقام الحاليّة إلى أن طرحاً لسندات لمدّة خمس سنوات، يجب أن يحقق عوائد لا تقل عن 14.3 في المئة.

وبالمقابل، لم تقم أي دولة خلال هذا القرن بإصدار لسندات مماثلة بفوائد أعلى من مستوى 13 في المئة، بينما قامت دول قليلة فقط بإصدارات بفوائد تتجاوز مستوى الـ10 في المئة. مع العلم أن هذه البيانات تستثني حالات إعادة الهيكلة خلال فترات التعثّر. وعلى سبيل المقارنة، قامت الإكوادور بإصدار السندات الأعلى هذا العام حتّى الآن، من ناحية الفوائد، حين وصل العائد في هذا الإصدار إلى حدود 10.75 في المئة للسندات التي تستحق عام 2029. أما في فترات سابقة خلال هذا العقد، فكانت الأرقام الأعلى من نصيب فينزويلا التي أصدرت سندات بعوائد بلغت 12.8 في المئة سنة 2010، و11.9 في الئمة سنة 2011، حين عادت وتعثّرت لاحقاً في إيفاء قيمة السندات سنة 2018.

ومن ناحية الأداء، تُعتبر سندات اليوروبوند اللبنانيّة السندات السياديّة الأسوأ أداءً بعد الأرجنتين هذا العام، فقد سجّلت خسائر بنسبة 7.2 في المئة وفقاً لمؤشّر بلومبيرغ باركليز. وخلال السنوات الماضية، ارتفعت العوائد على سندات اليوروبوند من مستوى 4.5 في المئة سنة 2013 إلى حدود 10 في المئة السنة الماضية، وصولاً إلى مستوى 14.7 في المئة حاليّاً.

ومن المفترض أن تترك هذه التطوّرات أثراً بالغاً من ناحية خدمة الدين، بعد إجراء هذا الإصدار، خصوصاً بالنسبة إلى الديون السياديّة بالدولار الأميركي. مع العلم أنّ كلفة خدمة الدين ارتفعت تدريجيّاً خلال السنوات السابقة من مستوى 3.62 ألف مليار ليرة سنة 2012، إلى حدود 5.4 ألف مليار ليرة سنة 2018. وهو ما يعني أن خدمة الدين إرتفعت بنسبة 50 في المئة خلال هذه السنوات.

سلامة يؤكّد الإصدار.. والتأنّي
حاكم مصرف لبنان أكّد أنّ الحكومة بصدد إجراء هذا الإصدار، كما أشار إلى أنّ توقيت هذا الإصدار سيعتمد على الوضع السياسي والمالي وماليّة الحكومة. وعمليّاً، يشير تصريح الحاكم إلى وجود دراسة متأنية للظروف الأنسب لإصدار السندات، من ناحية الكلفة على الحكومة، خصوصاً أنّ معطيات الأسواق الماليّة حاليّاً تنبىء بكلفة مرتفعة جدّاً لأي إصدار حالي لسندات اليوروبوند. فإذا كان التوقيت سيعتمد على القرار الذي يتم اتخاذه بالتنسيق بين رئيس الحكومة ووزير الماليّة وحاكم المصرف المركزي، فكلفة الإصدار والفوائد المدفوعة ستعتمد على ظروف الأسواق في لحظة الإصدار. وهي مسألة لن تكون تحت سيطرة هذه الأطراف.

سيناريوهات متعدّدة
وفي الواقع، سيكون أمام وزارة الماليّة خيارات عدّة في ما يخص كلفة الفائدة على سندات اليوروبوند التي سيتم إصدارها. ففي حال أرادت إجراء الإصدار وبيع السندات من دون تدخّل مصرف لبنان، فسيكون عليها تحديد فوائد لسندات اليوروبوند بشكل يجاري الفوائد المرتفعة في الأسواق. وهو ما يتناسب مع تقرير وكالة بلومبيرغ. مع العلم أن تأجيل الإصدار طوال الفترة الماضية كان تحديداً بسبب عدم استعداد وزارة الماليّة لإصدار سندات يوروبوند وفقاً لفوائد السوق، التي تطلبها المصارف مقابل شراء هذه السندات.

أمّا في حال أرادت طرح هذه السندات بفوائد أقل من المعدّلات المرتفعة التي تطلبها المصارف، فسيكون على مصرف لبنان تقديم حوافز خاصّة أو هندسات محددة، لدفع المصارف للاكتتاب بها. وفي حال حصول هذا السيناريو، سيتم تحميل فارق الكلفة لميزانيّة مصرف لبنان. ورغم أن هذا السيناريو سيحمّل الدولة الأعباء نفسها بشكل غير مباشر (من خلال مصرف لبنان)، لكنّه سيخفّض شكليّاً كلفة خدمة الدين في الميزانيّة العامّة، وهو ما يتناسب مع بعض شروط المانحين في مؤتمر سيدر، لناحية خفض مستوى العجز في ميزانيّة الدولة.

لا بدائل حتّى اللحظة
سلامة أكّد مجدّداً عمله على خطط غير تقليديّة لخفض مستوى خدمة الدين العام، وهي ليست المرّة الأولى التي يعيد فيها سلامة هذا التأكيد. لكن وبغياب هذه الخطط حتّى اللحظة، فالأكيد أن كل التطوّرات الحاليّة تدفع باتجاه رفع خدمة الدين العام خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعني المزيد من الضغوط على الميزانيّة العامّة. وفي النتيجة، ستشكّل هذه التداعيات المزيد من العوامل الضاغطة على لبنان في ظل الأزمة القائمة، بانتظار وجود خطط وبدائل جذريّة للتعاطي مع مسألة الدين العام وخدمته.

علي نور - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى