جاء كلام الرئيس سعد الحريري خلال جولته في المرفأ عالي النبرة وعلى طريقة "البلاغ رقم ١"، لكن محتواه يدفع عملياً الى طرح ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول، عندما يقول "لينضبّ السياسيون خَلَص" فانه يحتاج حتماً الى مجلس لقيادة الثورة، يساعده على تنفيذ هذا الإنقلاب التاريخي الرائع، الذي يمكن ان ينتشل لبنان من قاع الفشل. ولكن من يصدق أنه يمكن فعلا ضبّ هؤلاء السياسيين، عندما يكون قرار "الضب" وتنفيذ فصوله وبنوده، دائماً في ايديهم المتشابكة والمتشاركة في السراء والضراء، وحتى آخر فلس في جيب آخر أرملة لبنانية، لأنهم هم الدولة ولهم القرار والفعل؟!
نعم دولة الرئيس، من الذي سيضّب هؤلاء السياسيين الأبالسة إذا كان كل شيء في البلد في أيديهم: الأمن والقضاء والقانون والإدارة والتدبير والتقرير والعقاب والثواب والأبيض والأسود، ولم يعد للمواطنين سوى الصمت يأساً أو الهجرة هرباً؟
السؤال الثاني، هل يكفي ان تقول "خَلَص"، لكي تتوقف القطط عن أكل فتات الجبنة المتبقية في لبنان، وهل من المعقول ان نقول "خلص"، بمعنى أنهم "تخنوها" من غير ان يُقام الحساب لهؤلاء، الذين أوصلوا البلد الى حافة الإفلاس والفشل، ثم تكراراً من الذي "سيضبّ" ومن الذي سيحاسب، إذا كنت تقول : "نحن كنا في مرحلة إنقسام، وكل أسباب التأخر والفساد هو الإنقسام الذي حصل"؟
تقول "كنّا"؟ كنّا، بمعنى أننا لم نعد منقسمين الآن بنعمة الله سبحانه وتعالى، وأنت في مقدم الذين يعرفون ان جمر الإنقسام لا يزال يتأجج تحت قشرة رفيعة من الرماد، فهل انتهت الإنقسامات وولّى زمن التحاصص ونزلت علينا نعمة التفاهم والتعاون والوحدة الوطنية، أم اننا باقون اشبه بمجموعة من اللاجئين المتقاتلين المتدافعين في قارب يشرف على الغرق؟
هل انتهت الإنقسامات بين السياسيين اللبنانيين، ومتى وعلى أي أساس ووفق أي تفاهم أو صيغة، وهل صارت الحكومة التي شكلتها بحماسة بعد ثمانية أشهر من المعاناة، ولم تتردد في ان تسميها حكومة "الى العمل"، حكومة عمل فعلاً يسود الوئام بين وزرائها الميامين. وهل انتهى الحفر والنقر مثلاً في النصوص الدستورية وما تفصّله من الصلاحيات والأدوار، وبعدما ذهبت الى "مؤتمر سيدر" الذي وفّر فرصة جيدة للإنقاذ، هل ترى ان هناك الآن في هؤلاء السياسيين والمسؤولين من يعي فعلاً، معنى ما قاله بيار دوكين سابقاً من "ان لبنان غير قابل للإصلاح"، والذي كان صريحاً عندما أشعل أمامنا الضوء الأحمر قبل يومين؟
السؤال الثالث، وهو الأهم، تقول دولة الرئيس إنه "تم وقف الإعفاءات لأن مصلحة الدولة أهم من مصلحة الطوائف". لن نسأل لمن كانت هذه الإعفاءات، لكننا عملياً في فيديرالية طوائف وحتى في سعي الى الحصريات والإنقسامات داخل كل طائفة، وليس من الواضح قطعاً ان كل الطوائف وكل السياسيين والمسؤولين، باتوا مقتنعين ويعملون وفق ما تقول، من ان مصلحة الدولة أهم من مصلحة الطائفة!
دولة الرئيس، بسبب الطائفية والطوائف والمذاهب، صدّقني لن يكون من الممكن "ضب السياسيين"، لأنهم لا يأخذون التكليف العام من الشعب وصناديق الإقتراع وقوانين الانتخابات ولو كانت مسخرة المساخر، بل لأنهم ينتزعون التكليف من الطائفة والمذهب بإسم "السماء" أو حتى غصباً عنها!
ليتك تستطيع فعلاً ان "تضبّهم" في قاووش، لنقيم عليهم الحراسة وننزل بهم ما يستحقون من الفلق لأن معظمهم من شرّ ما خلق!
راجح الخوري - النهار