الانطباع الذي خرج به متابع أميركي دقيق وجدّي لقمة الدول السبع الكبار G7 التي انعقدت أخيراً في بياريتز الفرنسية، كان أن المشاركين فيها أو على الأقل قسماً مهماً منهم وقفوا في وجه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، ولا سيما في موضوعات الحروب التجارية التي أشعلها مع الصين ودول أوروبية عدّة، فضلاً عن دول جارة لبلاده في القارة الأميركية، وإعادة ضم روسيا ورئيسها بوتين الى هذه المجموعة، والاحتباس الحراري وتغيّر المناخ وإيران. وقد بدا "رئيسنا" في هذه القمة معزولاً وضعيفاً. طبعاً لا تزال جارية محاولة الحصول على تفاصيل أكثر دقة عن مجرياتها والمباحثات التي تخللتها. لكن الواضح أنه سيتعرّض للانتقاد بعد عودته من قبل المتشددين في الموضوع المناخي، وربما يغيّر رأيه ويبدّل موقفه من هذا الموضوع كما يفعل غالباً. لكن مع ظهور مؤشرات الى توجه الاقتصاد الأميركي نحو الجنوب، وهذا إنجازه الوحيد علماً أن رصيده يجب أن يقيّد في سجل سلفه في البيت الأبيض، ومع الاقتراب التدريجي لموعد الانتخابات (ستُجرى بعد نحو 14 شهراً ونيّف)، ويمكن القول أن ترامب يحتاج الى تسوية مع الصين. لكن يبدو واضحاً ان لرئيسها شي جينيبنغ اليد العليا في هذا الموضوع. أما احتمال دعوة رئيس روسيا فلاديمير بوتين الى القمة المقبلة للسبع الكبار G7 التي ستعقد في ميامي الأميركية العام المقبل، أو اتخاذ ترامب قرار بدعوته اليها سيجعله يواجه متاعب ومشكلات داخل بلاده، لأن موعدها سيكون قبل الانتخابات الرئاسية التي قرر ترشيح نفسه لولاية ثانية فيها بأشهر قليلة. والعالم كله يعرف مدى انشغال الاميركيين كلهم في تلك الفترة بالحملات الانتخابية في ظل الاحتدام بينه وبين منافسيه الديموقراطيين فيها وربما الجمهوريين. أما في ما يتعلق بإيران فيبدو استناداً الى المعلومات المتوافرة، أن رئيس فرنسا المستضيفة للقمة الأخيرة المشار اليها أعلاه إيمانويل ماكرون حصل على موافقة ترامب على دعوة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الى بياريتز حيث تعقد، كما يبدو أنه يعمل بجدّية لعقد اجتماع قمة بين سيد البيت الأبيض رئيس أميركا الفعلي وبين الرئيس الايراني الشيخ حسين روحاني، رغم الفرق الواضح في حجم السلطة الفعلية التي يمارسها كل منهما وفقاً لدستور بلاده. لكنني، أضاف المتابع الأميركي نفسه، غير متفائل على هذا الصعيد بعدما أظهر الايرانيون مرات عدة آخرها قبل قمة الـG7 أنهم لن يتخلوا عن مشروعهم للصواريخ الباليستية. كما أنني غير واثق أن الايرانيين "سينزعون" مخالب "وكلائهم" في المنطقة، لا بل أنني متأكد أن العكس سيحصل وهو استمرار دعمهم بكل قوة والاعتماد عليهم. واذا صحّ ذلك فالحملة الأميركية للقيام بهذا الأمر ستستمر بمشاركة إسرائيل. وما حصل في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وبعده في "قوسايا" البقاعية اللبنانية وامتدادها السوري يؤكد ذلك. وحسب ما يبدو لا يستطيع لبنان أن يفعل الكثير لأنه ملجأ لوكلاء إيران. وربما تكون عملية الضاحية (طائرتان مسيّرتان) رد فعل على التصريحات الكبيرة التي وجهها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
هل من معلومات ومعطيات يمكن إضافتها الى ما نقله المتابع الأميركي نفسه عن اجتماعات الـG7 ومناقشات الرؤساء داخلها وخارجها؟
التقارير التي حصلت عليها مراكز الأبحاث ووسائل الاعلام وجهات أخرى، يجيب الباحث نفسه، أكدت ان جملة من المناقشات الحادة والعنيفة حصلت بين ترامب وأقرانه في القمة، لعل أكبرها التي دارت حول إعادة إدخال روسيا ورئيسها بوتين الى مجموعة السبع الكبار بحيث تعود الثماني الكبار G8 كما كانت قبل إخراجها منها. وقد يكون ماكرون هو الذي عرض موقف المعسكر الرافض الإعادة المذكورة بالقول أنها مشروطة جداً وتتوقف على بدء روسيا وأوكرانيا مفاوضات حول شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس، وكذلك حول ما يجري في شرق أوكرانيا وعلى طول الحدود المشتركة بينها وبين روسيا. طبعاً حاول البعض داخل الولايات المتحدة شرح دافع ترامب لإعادة روسيا وبوتين بالقول أنه نتيجة قروض حصل عليها من مصرف هولندي بضمان من ثري نافذ جداً صديق لبوتين. واعتبر بعض آخر أن ذلك سيضرب محاولته الفوز برئاسة ثانية له. لكن بدا وبعد وقت قصير للمتابع الأميركي نفسه كما لكل المعنيين في واشنطن أن هذا الدافع غير دقيق وربما غير صحيح.
انطلاقاً من ذلك كله كما من المعلومات المذكورة عن مجرى الحملة الانتخابية لترامب منذ أواخر شهر تموز الماضي حتى الآن، يشير المتابع الأميركي نفسه الى أن واشنطن بمجلسي النواب والشيوخ الأميركيين فيها ستبقى هادئة نسبياً لأن أعضاءهما في عطلة برلمانية ستنتهي قريباً. وهؤلاء يتحدثون مع ناخبيهم في الولايات كلها عن الوضع والمشكلات والخلافات بين ترامب والجمهوريين من جهة والديموقراطيين من جهة أخرى، وذلك من أجل امتلاك معرفة أكثر دقة عن الاتجاهات الشعبية والانطلاق منها لتحديد مواقفهم، بدءاً من الرئاسة ونزولاً الى الموضوعات والأزمات الكثيرة. أما في ما يتعلق بالحظوظ الرئاسة لترامب ومنافسيه من المرشحين فإن استطلاعات الرأي أشارت أكثر من مرة الى أن الفرق الواسع بين حظوظ بايدن الديموقراطي ومنافسيه من حزبه تقلّص أحياناً. وقد استفاد من ذلك المرشحان ساندرز ووارن. لكن الاستطلاعات نفسها أشارت الى أن الفرق بين ترامب وأحد هؤلاء الثلاثة هو 8 الى عشر نقاط لمصلحتهم وليس لمصلحته. كما أن الاستطلاعات المتعلقة بنسبة مؤيديه (ترامب) أشارت أخيراً الى أنها 41 في المئة. طبعاً يعني ذلك استمرار قاعدته الصلبة الى جانبه، لكنه يعني في الوقت نفسه أنه لم ينجح حتى الآن في اجتذاب أصوات الناخبين المتنوّعين المعارضين له من مستقلين ووسطيين ويساريين وسود و"لاتينوس" ونساء ومثليين...
سركيس نعوم - النهار