ردّ حزب الله على "العملية" الإسرائيلية بطائرتين مسيّرتين في الضاحية الجنوبية (25 آب المنصرم)، بإسقاط طائرة إسرائيلية مسيّرة اليوم الإثنين 9 أيلول. فقد أعلن "حزب الله" في بيان، أن "مجاهدي المقاومة الإسلامية تصدوا بالأسلحة المناسبة لطائرة إسرائيلية مسيرة أثناء عبورها للحدود الفلسطينية - اللبنانية باتجاه بلدة رامية الجنوبية، حيث تم إسقاط الطائرة المسيرة في خراج البلدة وأصبحت في يد المقاومين".
اختار الحزب التوقيت الذي يراه مناسباً، لإسقاط المسيّرة الإسرائيلية، وفق ما كان أمينه العام قد أعلن سابقاً ووعد، والذي أكد أن الحزب جاهز للرد، وإن ليس بالضرورة إسقاط كل طائرات الاستطلاع الإسرائيلية. اختار الحزب توقيته لهذه العملية، قبل يوم واحد من العاشر من محرم، موعد "إطلالة" مهمة لنصر الله، وعلى مقربة أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية، وقبل ساعات من وصول المبعوث الأميركي ديفيد شينكر، المكلف بإدارة مفاوضات ترسيم الحدود، وما يعنيه ذلك من ارتباط مباشر بين المساعي الأميركية من جهة، وتثبيت الهدوء لترسيم الحدود من جهة ثانية.
واختار الحزب هدفه، في الجنوب، في نطاق عمل القرار 1701. وكان نصر الله قد أعلن سابقاً، أنه في حال وقوع أي اعتداء إسرائيلي فسيكون الردّ في نقاط اشتباك جديدة، على نحو ينقل حزب الله ردّه العسكري من الأراضي اللبنانية إلى الداخل الإسرائيلي. وفي إعلانه عن إسقاط الخطوط الحمر، أوحى نصر الله بعدم الالتزام بالقرار 1701، طالما أن الإسرائيلي لا يلتزم به، ويعمل دوماً على تجاوزه وتسجيل الخروقات بحقه. وبالتالي، فتح حزب الله دفتر حساب جديد، يتعلّق بالقرارات الدولية، وفق منطق أن خرق الإسرائيلي لهذه القرارت سيتم الردّ عليه.
وهذا وفق المنطق السياسي والإدارة "الذكية" ميدانياً، ستترابط القضايا المختلفة واقعياً. وسيكون حزب الله هو صاحب القرار الأول والأخير بما يخص عملية ترسيم الحدود، أو الحفاظ على الاتفاقات، لا سيما أن نصر الله كان قد أعلن سابقاً أن حزب الله هو "قوة لمنع الحرب"، ولردع الخروقات الإسرائيلية، وهو القادر على الالتزام بالتفاهمات.
الضربات والمسار التفاوضي
اختيار الهدف وتوقيته وموقعه، تدل أن الحزب يريد إفهام الجميع أنه صاحب اليد الطولى في تلك المنطقة، ويضع نفسه في موقع الندّ للإسرائيليين، ضمن قواعد الاشتباك القائمة، والآخذة بالتوسع من سوريا باتجاه لبنان، خصوصاً بعد الاعتداء على الضاحية، وتوجيه ضربة للحزب في سوريا، وإثارة ملف الصواريخ الدقيقة.
وهذه كلها لا تنفصل عن مسار فرض العقوبات الأميركية على الحزب، ولا عن المساعي الأميركية الضاغطة للانتهاء من عملية ترسيم الحدود وتوقيع الاتفاق بين لبنان وإسرائيل. ولذا، بات الحزب عملياً هو الذي يدير لعبة التفاوض المديد فيها. ما يعني أن هذه العمليات العسكرية، ترتبط حتماً بإدارة التفاوض السياسي، أو برغبة حزب الله في تحسين شروطه بوجه العدو الإسرائيلي. وتتزامن عمليات حزب الله أيضاً مع عمليات تنفذها إسرائيل ضد قوات موالية لإيران. إذ نفذت إسرائيل بالأمس عملية واسعة وأنزلت ضربة قوية في بمواقع لميليشيات موالية لإيران في البوكمال، عند الحدود العراقية السورية.
إصرار الحزب على الردّ مقابل إصرار الإسرائيليين على استمرار الضربات، يؤشر إلى أن هذا المسار سيستمر. ومسلسل الردّ والرد المضاد سيستكمل، حتى ولو فشلت المفاوضات، ستكون الأراضي اللبنانية جاهزة لأي مواجهة أو معركة، خصوصاً أن الضربات الإسرائيلية على الإيرانيين تزداد وتؤدي إلى سقوط قتلى، وتستهدف مناطق أساسية ترتبط بطريق طهران بيروت مروراً ببغداد ودمشق. ما يعني ان الإيراني قد يصل إلى مرحلة لن يكون قادراً فيها على السكوت على هذه الضربات.
مصير 1701
إدارة المعركة السياسية والعسكرية اليوم، تتم حول مصير القرار 1701، وهذا يعني منطقياً ارتباط الصراع بمسألة ترسيم الحدود. وحزب الله يريد القول أنه قادر على تنفيذ ما يريده وصولاً إلى إسقاط المسيّرات الإسرائيلية، أو الرد على أي عملية قد يتعرض لها، تعزيزاً لموقعه التفاوضي، عبر إرساء معادلة ضربة مقابل ضربة.
وفي مقابل إعلان الإسرائيليين عن امتلاك الحزب لمصانع للصواريخ الدقيقة، وإصرار نصر الله على نفي ذلك مؤكداً امتلاكه مخزوناً كافياً من تلك الصواريخ.. قد تتحول المفاوضات إلى البحث في مصير هذه الصواريخ وحسب.
سلاح تكنولوجي جديد
وهنا، مع عملية اليوم يبرز سؤال أساسي، إذا ما كان حزب الله يمتلك سلاحاً تكنولوجياً جديداً، أو قدرة جديدة لإسقاط الطائرات. إذ تؤكد المعلومات أن الحزب أسقط الطائرة إلكترونياً، لكنه لا يريد الكشف عن هذا السلاح الجديد الذي يمتلكه في هذه المرحلة، وربما يبقي على سريته واستخدامه في أي معركة جديدة محتملة. أراد حزب الله أن يبرهن على قدرته على إسقاط المسيّرات، لكن من غير الدخول في حرب واسعة. في المقابل، كان الإسرائيلي يستعجل عملية رد حزب الله بإسقاط طائرة مسيّرة، أولاً لتجاوز مفاعيلها قبل الانتخابات، وطي صفحة الرد والرد المضاد وتجنب الحرب، ما قد ينعكس إيجاباً على وضع نتنياهو. كما أن الإسرائيلي أرسل الكثير من المسيّرات وعلى علو منخفض، ربما لاستدراج الحزب إلى إسقاطها طمعاً باكتشاف ما يمتلكه الحزب من أسلحة بهذا الخصوص.
منير الربيع - المدن