لماذا رفضت الصين "حواراً نووياً" مع أميركا وروسيا؟

لماذا رفضت الصين "حواراً نووياً" مع أميركا وروسيا؟
لماذا رفضت الصين "حواراً نووياً" مع أميركا وروسيا؟

لو فتح المجال للرهان على مصير ضبط السلاح النووي المنتشر في العالم بعد نحو سنة ونصف أي في موعد انتهاء معاهدة "ستارت" (Start)، فإن النتائج ستؤكد وصول الوسائل القانونية لهذا الضبط الى نهاية حتمية. والسبب أن المراهنين يقولون وبكثير من الثقة أن واشنطن وموسكو لن تمدّدا "ستارت الجديدة" أي "المعاهدة الجديدة لخفض الأسلحة الاستراتيجية"، التي سينتهي الالتزام بها في الواحد والعشرين من شهر شباط 2021. ويعني ذلك أن الولايات المتحدة وروسيا وأيضاً الصين وست دول أخرى تمتلك سلاحاً أو بالأحرى أسلحة نووية ستكون حرة في صناعة قدر ما تريد من هذه الأسلحة إذا شاءت بعد التاريخ المذكور أعلاه. وفي هذا المجال تقول إدارة الرئيس دونالد ترامب خلافاً لكل التوقعات والترجيحات أن أولويتها الأعلى هي تأسيس أنموذج جديد لضبط السلاح والتحكّم به في القرن الواحد والعشرين، تشترك فيه الصين وروسيا والولايات المتحدة. لكن بيجينغ رفضت دعوة للبحث في هذه الموضوعات مع خبراء واختصاصيين أميركيين وروس في جنيف خلال شهر تموز 2019. علماً أن محادثات هؤلاء انتهت من دون صدور بيان رسمي بنتائجها يؤكد تحقيقها أي تقدم. هذا ما جاء في تقرير لباحث مهم في مركز "كارنيجي" الأميركي المعروف بعمقه وجديته.

ما سبب سلبية الصين حيال الاشتراك مع الدول الكبرى في العالم في البحث عن معاهدة جديدة تخفض حجم السلاح النووي في العالم بعد انتهاء "نيو ستارت" بعد 18 شهراً؟ يجيب الباحث واسمه جورج بركوفيتش أنه حاول الوصول الى جواب عن السؤال بالتواصل هاتفياً مع خبير نووي محترم جداً في بيجينغ، هو على اطلاع جيّد وواسع عادة رغم صعوبة ذلك لمن يكون خارج الدائرة القيادية الصينية، ويشير الى أنه فوجئ بجوابه المفصّل والصريح. قال: "فكرة ضم الصين الى الـ"نيوستارت" كما تقترح أميركا يبدو غريباً لي لأسباب عدة مهمة. فهذه المعاهدة تقلّص عدد الصواريخ الباليستية الطويلة المدى والقاذفات والرؤوس الحربية التي تستطيع واشنطن وموسكو نشرها. وبموجبها يسمح لكل دولة بامتلاك 1550 سلاحاً منشوراً يمكن اطلاقه من مسافات طويلة. لكن الصين لا تنشر على أرضها صواريخ محمّلة روؤساً حربية في وقت السلم. وفي كل الأحوال ما تمتلكه من هذه الأنظمة حوالي مئة جاهزة للاستعمال وقت الحرب. ولديها فقط نحو 20 قاذفة أي 20 سلاحاً نووياً. ويُقال أن لديها 48 سلاحاً نووياً يمكن إطلاقها بواسطة صواريخ من الغواصات. لذا ليس هناك مجال للمقارنة بين الصين من جهة وروسيا وأميركا من جهة أخرى سواء في الانتشار أو في الأعداد". علّق باحث "كارنيجي" بالقول: "قال أخيراً الجنرال روبيرت آشلي رئيس الـ DIA أي الوكالة الاستخبارية لوزارة الدفاع أن الصين يحتمل جداً أن تضاعف حجم "مخزونها النووي المقدّر حالياً بنحو مئتين". وافق الخبير الصيني قائلاً: "لا أعرف عدد الأسلحة النووية التي قد تمتلكها الصين خلال عشر سنوات. لكن ما أعرفه أن تقديرات الـ DIA للمستقبل كانت دائماً أعلى من العدد الذي أنتجته الصين، وأنها لا تنشر في وقت السلم قاذفات مزوّدة رؤوساً نووية. وحتى إذا ضاعفت ترسانتها بحيث صارت 600 سلاح ونشرتها فإن ذلك سيبقى أقل وبكثير من آلاف الأسلحة التي تمتلكها كلّ من روسيا وأميركا. الى ذلك لدى روسيا أسلحة نووية تكتية بالآلاف وكذلك واشنطن في مخازنها. علماً أن الصين لا تمتلك مثلها. فماذا يريدان إذاً منها؟


هي تمتلك مئات من الصواريخ الباليستية الأرضية يتراوح مداهما بين 500 و5500 كيلومتراً أي ذات مدى متوسط وقصير، وأقل من مئة منها لها قدرة نووية. وذلك بخلاف الصواريخ الروسية والأميركية التي كانت كلها مزوّدة نووياً والتي أُلغيت بعد انتهاء مفعول معاهدة عام 1987 بين موسكو وواشنطن. طبعاً لا أستطيع أن أتكلم نيابة عن الحكومة الصينية لكنني أعتقد أن عليها الانضمام الى المحادثات مع روسيا وأميركا. إذ تستطيع عبر ذلك سؤالهما إذا كانتا تريدان تقليص الرقم الاجمالي لأسلحتهما النووية، بحيث يصبح عددها 600. وهو عدد الأسلحة الصينية النووية في نظر الـ DIA بعد نحو عشرة أعوام. علماً أن الصين قد توافق على عدم صنع هذا العدد من الأسلحة. وفي هذه الحال ما ستقول الولايات المتحدة وروسيا؟". أجاب الباحث بركوفيتش: "أنت تعرف أنهما لن تفكرا في ذلك جدياً. فمجلس الشيوخ الأميركي لن يصادق على اتفاق كهذا ولو كان جمهورياً مثل ترامب توصّل إليه. وروسيا تصنع الآن خمسة أنواع من الأسلحة غير التقليدية وربما نووية، ورئيسها بوتين يعتبر الأسلحة النووية مقياساً لقوة بلاده ودولته". بماذا أجاب الخبير الصيني؟ ضحك ثم قال: "ماذا يدور في ذهن الولايات المتحدة؟ وماذا ستقدم للصين لإقناع قادتها بأنهم سيحققون مكاسب لبلادهم"؟ لم يكن في ذهن الباحث ما يجيب به مُحَادِثه الخبير. ولم يلمّح أي منهما أن الرئيس ترامب أو مستشاره بولتون وآخرين في الحكومة وضع نصاً أو اتفق مع آخرين على ماذا يمكن تقديمه للصين في مقابل قبولها بما تريده أميركا. علّق الخبير "هذا أحد الأسباب التي يجب أن تدفع الصين الى الانضمام الى المحادثات مع موسكو وواشنطن. لكن لا أعتقد أن قادتنا سيفعلون ذلك. إذ أن موافقة الصين على موضوع ما ستدفع الأميركيين الى طرح مطالب أخرى. ورغم ذلك أعتقد أنهم يفوّتون فرصة، إذ نستطيع أن نجعل العالم يرى أين تكمن المشكلات النووية الحقيقية ومن يحمل مفاتيح حلّها".

سركيس نعوم - النهار

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى