قرأت بتعجب امس خبرا مفاده ان "وفدا من قطاع الشباب والرياضة في التيار الوطني الحر يرأسه منسق عام القطاع جهاد سلامة زار الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم AUCE حيث كان في استقبالهم نائب رئيس الجامعة الدكتور هاني حيدورة، ووقّعا معاً بروتوكول تعاون تمنح على اساسه الجامعة حسومات خاصة على الأقساط لطلاب التيار في كل فروعها". انتهى الخبر الذي لم يثر اعجابي، بل تعجبي، وأسفي لان يقدم التيار الاصلاحي على التعاون مع جامعة اتُّهمت اخيرا بتزوير شهادات، وأدينت مبدئيا، وتنتظر حكما نهائيا في الملف، مع غيرها من جامعات امتهنت بيع الشهادات، وتلزيم فروع المناطق كأطباق الطعام الجاهز، بحيث يعمد الملتزمون الى "تنجيح" كل الطلاب لجذب المزيد، طمعاً في الاقساط الجامعية.
واذا كانت جامعات تعتمد التزوير، فان غيرها يعتمد الغش. ومن سوء حظ الطلاب وذويهم ان تطلب اليهم مديرية التعليم العالي في وزارة التربية، التأكد من معادلة الشهادات قبل المبادرة الى التسجيل. وهي بذلك تعفي نفسها من إدانة هذه الجامعات، وصولا الى منعها من فتح اختصاصات غير مرخصة، وصولا الى إحالتها على القضاء واقفالها.
وفي الفترة الاخيرة، تطالعنا جامعات كثيرة بأخبار عن حصولها على الإعتماد المؤسسي وترفع الاعلانات واللافتات على الطرق والمباني، كأنها حققت فتحاً مبيناً ودخلت لائحة الشرف الجامعية.
والحقيقة ان الفارق كبير بين الإعتماد المؤسسي الذي يتعلق بالهيكل التنظيمي للمؤسسة، اي النظام الاساسي والنظام المالي الى نظام الموظفين وغيرها، وهو غالبا ما يكون مستوردا او "مسروقا" من جامعات غربية، ويجهد القيّمون على تطبيقه، تعويضا عن نقص في المستوى الاكاديمي، او يكملان بعضهما البعض. بينما يقوّم اعتماد البرامج برنامج كلية معيّنة او برنامجا أكاديميا معينا في كل اختصاص إذا كانت الكلية متشعبة البرنامج. ويطاول تقويم البرامج المحتوى ومدى ملاءمته التطورات العلمية وسوق العمل، وكذلك مؤهلات الهيئة التعليمية من شهادات موثوق بها، الى ابحاث منشورة، الى خبرة في مجال تدريس المادة، وكذلك الإجراءات في سير الإمتحانات وضبطها، مرورا بالأدوات التعليمية من مختبرات ومكتبات وإشتراك في المجلات العلمية المتخصصة وقواعد البيانات. ولا يتوقف الأمر عند تقويم العملية التعليمية برمّتها أثناء مدة الدراسة، بل يتخطاها الى كفاءة المتخرجين وأدائهم في سوق العمل. إذاً إعتماد البرامج يقوّم كل ما يتعلق بتعلّم الطالب منذ اليوم الأول لدخوله وصولا الى ادائه وحرفيته المهنية والوظيفية.
والتفاخر اللبناني بالحصول على الإعتماد المؤسسي في بعض المؤسسات ليس الا شكلاً جديداً من أشكال الغش، اذ ان الاهالي لا يدركون الفرق ما بين انواع الاعتمادات، بل يؤخذون بظاهر الامور، ويدفعون ابناءهم الى احضان تلك المؤسسات التي غالبا ما تخرّج اميين، يشغلون لاحقا وظائف لا تتعلق باختصاصاتهم، ولا تحتاج الى اكثر من شهادة ثانوية.
ما يحصل في القطاع الجامعي يستوجب تحركا جديا، على مستوى مجلس الوزراء، لانه لا يتعلق بأي حسابات اقليمية او دولية، بل بإرادة جدية في الاصلاح.
غسان حجار - النهار