نصرالله و1701: الأمر لي تفاوضاً وترسيماً وقراراً

نصرالله و1701: الأمر لي تفاوضاً وترسيماً وقراراً
نصرالله و1701: الأمر لي تفاوضاً وترسيماً وقراراً

حدد الأمين العام لحزب الله قواعد الاشتباك الجديدة. وفي سياق إعادة تثبيتها، يمكن الخروج بنتيجة واضحة وهادئة، بالاستناد إلى قراءة عقلانية لما جرى. وبالاستنتاج من كلام السيد حسن نصر الله، فإن العملية الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت فشلت. وقابلها ردّ من قبل حزب الله، فيه ما يشبه التماثل بفشل تحقيق الهدف أو بتكبير حجمه. بمعنى، أن حزب الله نجح في إثبات الردّ، وتغيير جغرافية مسرحه، وإفهام الإسرائيليين أن الحزب لن يسكت على أي ضربة. لكن ووفق معايير الردّ، فإن عملية الحزب لم تؤد إلى سقوط قتلى إسرائيليين. بما يفيد أن حزب الله لا يريد الإنجرار إلى حرب. وهذا ما دفعه إلى تنفيذ عمليته من الأراضي اللبنانية ولم يجتز الخط الأزرق.

مسرح الضربات
أسقط نصر الله الخطوط الحمر، معلناً أنه بحال حصول أي عدوان، ستسقط الحدود الدولية. هذا الموقف يعني ضمناً الإطاحة بالقرار 1701. وما يوحي به حزب الله هو أنه في معركة مفتوحة، تشمل كل المنطقة، ستتخذ أشكالاً مختلفة للصراع، طالما أن هناك إجماعاً على رفض الحرب المباشرة. بمعنى أن لدى الإسرائيليين مجموعة أهداف في المنطقة، هي منع الحزب من امتلاك صواريخ دقيقة، ومنع وصل المناطق والجبهات ببعضها البعض، ومنع حيازة تكنولوجيا عسكرية متطورة، بالإضافة إلى الضغوط المالية الهائلة.

وكل هذا مع التزام الحزب بقاعدة أي ضربة ستقابل بضربة مضادة وموازية لها.

التطور الجديد هو أن الأراضي اللبنانية باتت مسرحاً مفتوحاً، بعد أن كانت سوريا هي تلك الجبهة المفتوحة. وهذا ما حدا بالحزب إلى تنفيذ عملية علنية إنطلاقاً من الحدود اللبنانية. البعد السياسي لإعلان نصرالله كسر الخطوط الحمر، هو تكريس التكامل في الجبهات وتشابهها بين لبنان وسوريا وفلسطين (غزة) والعراق، من ناحية ضعف الدولة في السيطرة. فهذه "الأقاليم" أضحت تتسم بوهن الدولة، وسيطرة جماعات موازية لها، تتولى هي تحت شعار المقاومة "المواجهة"، فيما يكون الحال انهياراً للكيانات ومشاريع حروب أهلية وخراباً اقتصادياً وانحلالاً للمجتمعات. وهذا الواقع يتيح لإسرائيل قدرة على السيطرة والتحكم، أكثر من أن يكون هناك كيانات مستقرة تحتكم إلى دولتها وسلطاتها الشرعية. فمثلاً لو كانت السلطة الفلسطينية موحدة، لما كان استطاع الإسرائيلي فعل ما يشاء أو يريد. ولو كان هناك إجتماع سوري حقيقي، لما استطاعت اسرائيل ضم الجولان، والأمر نفسه ينسحب على لبنان، الذي تبقى فيه كل الاستحقاقات والقضايا المصيرية عالقة، من تعطيل النظام إلى إجهاض الديموقراطية وصولاً إلى مفاوضات ترسيم الحدود، إلى التلاعب بمقتضيات القرارات الدولية والانتقال من مرحلة وقف الأعمال العدائية إلى تثبيت وقف إطلاق النار وإحياء اتفاقية الهدنة (1949).

ضعف لبنان وقوة الحزب
في قضية تعطيل ترسيم الحدود، كل الأجواء تشير إلى أن التضارب بين المنطقين اللبناني والإسرائيلي هو الذي يؤدي إلى عدم إنجاز الترسيم. فاللبنانيون يتهمون إسرائيل بالتعطيل، وقوى دولية أخرى تتهم حزب الله بالتعطيل لمصالح متعددة. بينما الحقيقة توحي أن الطرفين لا يريدان ذلك، قبل الوصول إلى اتفاق نهائي في المنطقة (الإيراني – الأميركي). ما يعني أن الوضعية القائمة في الجنوب حالياً، تقتصر على معادلة واضحة: الردّ على الضربات. طبعاً، مع إحالة شعار فتح طريق القدس جانباً في هذه المرحلة، على الرغم من قول نصر الله إن عملية أفيفيم، هي الأولى من نوعها، لجهة تخطي حزب الله لمنطق الـ 1701، وتوجيه ضربات في أراض فلسطينية.

ما تفرضه المعادلة الجديدة هي إبقاء لبنان ضعيفاً، لا يحظى بثقة المجتمع الدولي، مقابل حزب الله كطرف أقوى قادر على فرض المعادلات. الأمر الذي سيتيح للإسرائيلي الاستثمار بهذا الوهن اللبناني واستغلاله كذريعة للاستمرار في استباحة لبنان بأي عمل عدائي، طالما أن الدولة لا تلجم حزب الله.

وعلى هذا المنوال، سيعمد حزب الله إلى تثبيت سطوته في الداخل أكثر فأكثر، وقد أصبح وجوده أساسياً وراسخاً، ولا يمكن تجاهله من قبل المجتمع الدولي. فهو وحده القادر على اتخاذ القرارات والالتزام بها، بينما الدولة اللبنانية أعجز من إعلان أي قرار أو تطبيقه من دون موافقة الحزب.

معادلة موسكو
تعمّد نصر الله أن يقول للمرة الأولى بأنه جاهز لتخطي القرار 1701 عند حصول أي اعتداء اسرائيلي. وخطورة هذا الإعلان هي ترجمته داخلياً وليس على الحدود فقط. فما تقتضيه هكذا جهوزية، تفترض إمساكاً أشد للسياسة اللبنانية، وقبضاً على كل الملفات بيد الحزب، من ترسيم الحدود إلى اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية، والتي بطبيعتها لا تنفصل عن "نشاط" حزب الله في كل المنطقة، والمرتبطة عضوياً بالنزاع (والتفاوض) الإيراني الأميركي.

أخيراً، لجأ الحزب إلى الردّ من لبنان على ضربات تلقاها في سوريا، لا لتوريط لبنان كساحة إضافية للصراع العسكري فقط، إنما للإستعاضة به عن ما هو ممنوع عليه في سوريا، في ظل المعادلة التي ترسيها موسكو بمنع تحويل الأراضي السورية منطلقاً لتهديد إسرائيل.

منير الربيع - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى