عون يُسقط عنترياتَه على الماضي وضغائنَه على الأتراك

عون يُسقط عنترياتَه على الماضي وضغائنَه على الأتراك
عون يُسقط عنترياتَه على الماضي وضغائنَه على الأتراك

في مناسبة إطلاقه "الاحتفالات" بمئوية تأسيس دولة لبنان الكبير، جلس الرئيس ميشال عون خلف مكتبه في القصر الجمهوري نهار السبت 31 أيلول الماضي، وبث رسالته إلى اللبنانيين الذين حضّهم على إحياء الاحتفالات طوال العام 2020. جاءت رسالته هذه متلائمة مع اتخاذه الدائم دور المرشد والواعظ الأخلاقي للتلامذة في المدارس الابتدائية. فـ "دعا اللبنانيين إلى تعليم الأجيال الطالعة تاريخ لبنان، وتعليم الناشئة الوحدة الوطنية وصون للوطن".

حكايات الجدات
وبما أن المناسبة على صلة بالتاريخ، كان لا بدّ للرئيس أن يتطرق إلى تاريخ لبنان الصغير والكبير. ويبدو أنه وكاتبي رسالته، ما زالوا يستمدون معلوماتهم واجتهاداتهم التاريخية من ذاكرتهم الشفوية وحكايات الجدّات المكرسة في كتب التاريخ المدرسية الرسمية للمرحلة الابتدائية، والمتوسطة على أبعد تقدير، في ما يتعلق بالحقبة العثمانية المديدة والحرب العالمية الأولى وما بعدها: "أربعة قرون، مضافة إليها سنتان، عاشها جبل لبنان في ظل الاحتلال العثماني، وعلى الرغم من تميّزه بنوع من الاستقلال الذاتي، قاسى شعبه الكثير وتقلّب ما بين الإمارة والقائمقاميتين والمتصرفية، وتغيرت مساحته تبعا للظروف السياسية، فيما كان باقي المناطق اللبنانية مسلوخاً عنه وخاضعاً للحكم العثماني المباشر ومقسّماً على مناطق الولاية. وكانت محاولات التحرر من النير العثماني تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية". وتابع عون: "إن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين، خصوصا خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات آلاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة، من دون أن ننسى أعواد المشانق التي أرادوا من خلالها القضاء على روح التحرر والتمرد".

ضغائن وإسقاطات
جديد الاجتهاد العوني الذي يتجاوز كتب التاريخ المدرسية هو عبارة "إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون". وهذه عبارة اصطلاحية معاصرة تنتمي إلى التاريخ السياسي والديبلوماسي الراهن، ولا صلة لها بعهود الامبراطوريات الغاربة.
ويبدو أن هذه العبارة زُجت في الرسالة العونية الإرشادية الوعظية، لإثارة الدولة التركية الراهنة وإغاظة مسؤوليها السياسيين والديبلوماسيين الحاليين. وذلك في إطار الضغائن والأحلاف العونية الراهنة.
وهذا ما حدث فعلاً، وتجلى بإصدار وزارة الخارجية التركية بياناً نهار الأحد 1 أيلول الجاري، وقالت فيه: "ندين بأشد العبارات ونرفض كلياً التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها في الحقبة العثمانية. لا يوجد إرهاب دولة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية بل على العكس، كانت الحقبة العثمانية فترة استقرار طويلة في الشرق الأوسط. وتجاهلُ الرئيس عون ما جرى في فترة الاستعمار (الفرنسي ضمناً) التي هي أصل كل مصيبة، إنما هو تجلٍّ مأساوي لشغفه بالخضوع له".
وذكّرت الخارجية أن عبارات عون، التي جاءت بعد أسبوع على زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إلى لبنان، "لا تتماشى مع العلاقات الودّية بين البلدين، وهي مؤسفة وغير مسؤولة". وشدّد البيان على "اعتزاز الجمهورية التركية بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية".

لكن لا التاريخ العثماني كان إرهابياً، ولا كان حقبة استقرار ووئام وسلام، ولا عبارة الشرق الأوسط الجديدة تناسب عهود السلطنة العثمانية وولاياتها الكثيرة، وشأنها شأن عبارة "إرهاب الدولة" العونية في إسقاطها الحاضر على الماضي.

عنتريات عونية
وإذا كان التاريخ ليس مطيّة لأهواء رجالات السياسة والحكم وأهوائهم الراهنة، فإن مضمون الرسالة العونية للتاريخ اللبناني كله تلخصها عبارته العنترية التالية: "اننا لم نصل إلى مناسبة الاحتفال بهذه المئوية لو لم نثبت أننا قادرون على دحر أعتى الجيوش عن أرضنا والحفاظ على استقلالنا ورسالتنا الحضارية".

أي جيوش دحر لبنان في تاريخه؟ وما هو تاريخه الذي لا يزال سجين هويات الجماعات المتناحرة الممزقة في ولاءاتها، حتى على وضع كتاب مدرسي للتاريخ في الصفوف الابتدائية والمتوسطة، وعلى تعيين مياوم في القطاع العام، وعلى جيش الدولة: أهو الجيش الرسمي العلني، أم ذاك السري الذي يعتمده عون ولفيفه جيشاً لتفاهماته وأحلافه وتهاويمه الأقلوية الإقليمية؟!

لذا غرد عضو "تكتل لبنان القوي" العوني، نائب (مقعد الأقليات) أنطوان بانو، على حسابه على "تويتر" قائلاً إن "العثماني أردوغان حليف العدو الإسرائيلي". وعلق الأمين العام لحزب الطاشناق (الأرمني)، النائب هاكوب بقرادونيان (التكتل النيابي العوني)، على بيان الخارجية التركية، قائلا: "اثبت السلطان التركي الجديد أردوغان أن مشكلة تركيا ليست مع الأرمن فقط، لا بل مع الحقيقة وكل من يلفظ بالحقيقة". ثم تساءل: "هل لا نزال نؤمن بالصداقة والعلاقات التاريخية اللبنانية التركية؟".
هكذا يحوّل اجتهاد الرئيس عون ورهطه التأريخَ إلى عملية بعثٍ للأهواء والضغائن، تاركاً لصهره ووزير خارجيته تحويل الحياة السياسية الراهنة إلى ضغائن تاريخية موروثة.

محمد ابي سمرا - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى