استياء فرنسي من الحريري: التنسيق بين باريس والضاحية

استياء فرنسي من الحريري: التنسيق بين باريس والضاحية
استياء فرنسي من الحريري: التنسيق بين باريس والضاحية

عدا عن اللامبالاة العربية، بما يضاعف الشعور بعزلة لبنان، كان لافتاً الغياب الفرنسي عن التطوارات اللبنانية طوال الأيام الماضية. في هكذا مناخات متوترة، كانت الأنظار عادة تتجه إلى باريس، وخصوصاً إلى الإليزيه، لمتابعة المساعي المأمولة التي غالباً ما يقودها الرئيس الفرنسي، سراً وعلناً، لإيجاد المخرج الملائم لتجنّب الصدامات أو وقفها. مرّت أيام على ما حدث في الضاحية الجنوبية، ولم يصدر موقف فرنسي على ما درجت عليه العادة الفرنسية في التعامل مع لبنان، خصوصاً أن باريس تُعتبر راعية التسوية وراعية حماية لبنان، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، والتي لا تتوانى عن بذل الجهود لتأمين المساعدات له، عبر مؤتمر سيدر راهناً وقبله المؤتمرات الكثيرة.

التجديد لـ"اليونيفيل"
تخوض فرنسا الآن معركة التمديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في الجنوب، من دون أي تعديل يذكر على مهامها. وينصب الاهتمام الفرنسي بهذا الملف لأن هناك حملات دبلوماسية أميركية مكثفة لتقليص عديد اليونفيل، أو تخفيض ميزانيتها، بالترافق مع حملات إعلامية أميركية تركّز على "اعتداءات" حزب الله على قوات الطوارئ الدولية، وآخرها ما نشرته قناة "فوكس نيوز" لفيديو حصري، يصوّر اعتداء من قبل عناصر من الحزب على موكب لليونيفيل عام 2018.

في هذا الوقت، كانت باريس توكل مهمة متابعة التطورات اللبنانية إلى موظفين دون السفير، إذ اكتفت بإيفاد القائمة بأعمال السفارة لإبلاغ رسالة إلى رئاسة الجمهورية، تطالب فيها بالتهدئة وضرورة ضبط النفس، خصوصاً أن لبنان على مشارف التجديد لليونيفيل.

"البرود" الفرنسي في التعامل مع الشأن اللبناني يعود إلى سببين أساسيين. الأول، هو الانشغال الفرنسي بالأوضاع الدولية والإقليمية، ورغبة الرئيس إيمانويل ماكرون في تقريب وجهات النظر بين الأميركيين والإيرانيين. والثاني، هو الغضب الفرنسي من السلوك اللبناني غير الجدي تجاه الالتزامات التي تعهد بها للحصول على المساعدات.

هموم الاتحاد الأوروبي
بالطبع، لا تسقط فرنسا من يدها أي ورقة من شأنها تعزيز موقعها وحضورها الدولي والإقليمي. ويعرف ماكرون جيداً أن دونالد ترامب وفلاديمير بوتين يلتقيان على غاية أساسية واستراتيجية، هي تفكيك الاتحاد الأوروبي، أو إضعافه مالياً واقتصادياً وسياسياً. وقد قرأ الرئيس الفرنسي بعناية الحملات التي شنّها ترامب على أنجيلا ميركل، وما فعله في بريطانيا، التي أنتجت شبيهاً له في التفكير وهو بوريس جونسون المتحمس جداً للخروج من الاتحاد، على نحو يتماهى به إلى حدّ بعيد مع ترامب. ولو فازت مارين لوبان في الانتخابات، لكانت فرنسا أيضاً سارت على السكة المحببة لدى ترامب ومن يماثله. يعرف ماكرون خطورة كل هذا، ولذلك يحرص على التوازن المتكامل في مختلف الملفات، أبرزها التقارب مع إيران وضرورة العودة إلى الاتفاق النووي، وعمله الحثيث كدولة أساسية على رأس الاتحاد الأوروبي، في ظل المخاطر التي تهدد تماسك الاتحاد.

في موازاة صناعة هذا التوازن، يتمسك ماكرون إلى أبعد الحدود في العلاقة الجيدة مع إيران. وهو نجح في فتح المسار أمام مفاوضات غير مباشرة إيرانية - أميركية، تمهد لاحقاً إلى مفاوضات مباشرة. تنطلق فرنسا من الحرص على مصالحها الكبرى، نظراً لحجم طموحاتها في إيران. وقد نجح ماكرون في إعادة فرض الآلية المالية التي اقترحها الاتحاد الأوروبي لتجنب العقوبات على إيران.

علاقات باريس - الضاحية
أما في لبنان، فلا تزال فرنسا توليه أهمية قصوى، وهي الوحيد القادرة على لعب دور بارز فيه مع مختلف القوى السياسية. إذ تمتلك علاقة جيدة جداً مع رئيس الجمهورية، وعلاقة جيدة مع رئيس الحكومة ، ومع حزب الله. بل وهناك تنسيق متكامل بين باريس والضاحية، وهناك لقاءات مستمرة ودائمة بين الطرفين للتفاهم في العديد من المواقف والقضايا. والأكيد أن باريس تريد تعزيز هذا الحضور والاستثمار في هذه العلاقات مع حزب الله.

لا موعد لسعد الحريري
وتكشف مصادر متابعة، أن البرود الفرنسي في التعاطي مع لبنان، في هذه الفترة، يعود لأسباب متعددة، أولها عدم التزام الحكومة اللبنانية بتعهداتها التي قدمتها في مؤتمر سيدر، ولا بأي من الشروط التي وضعها المؤتمر، خصوصاً في موضوع الكهرباء (الهيئة الناظمة، ومجلس الإدارة) وشروط أخرى تتعلق بالرقابة. وتؤكد المصادر أن الفرنسيين منزعجون من الرئيس سعد الحريري، بسبب بعض ممارساته في الإدارة الحكومية، الأمر الذي أدى إلى تأجيل عقد لقاء للحريري في فرنسا، وعدم تحديد موعد له في الفترة الحالية. ومن بين أسباب الانزعاج أيضاً، تؤكد المعلومات، لجوء الحريري إلى صندوق النقد الدولي للمطالبة بالحصول على قروض، من دون تنسيق مع الفرنسيين، ما اعتبرته باريس التفافاً على مؤتمر سيدر، وعلى المشاريع الاقتصادية والمالية والآليات المتفق عليها، بهدف عقد اتفاق مباشر مع صندوق النقد، واستبعاد فرنسا.

أما الأمر الثاني الذي ساهم أيضاً في مضاعفة الانزعاج الفرنسي، هو رصد برنامج سيدر مبلغاً قيمته 400 مليون دولار، لشراء أسلحة فرنسية. صحيح أن المبلغ غير كبير، ولكن المسألة تبقى في رمزية "العلاقة". إذ كان يفترض بلبنان أن يشتري بهذا المبلغ أسلحة من فرنسا، لكن الذي حدث أن هناك من أقنع الحريري بتحويل هذا العقد لشراء السلاح من إيطاليا. وهذا ما دفع الفرنسيين إلى الدهشة والاستغراب من تصرفات الحريري، ويتساءلون عن الأسباب التي دفعته للقيام بهكذا تصرفات، خصوصاً أنهم أكثر من ساعده، وكان إلى جانبه في مختلف الأزمات، على ما تشهده محنة استقالته من الرياض. ويعتبر ماكرون أن له الفضل حينها في إنقاذ "التسوية"، بينما الحريري لا يتوانى عن نسب الفضل في ما جرى إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، وليس إلى فرنسا.

وبموازاة الانزعاج الفرنسي الذي يصل إلى حدود الغضب، تستمر الاتصالات من أجل إعادة الدفء إلى العلاقة، وترتيب زيارة الحريري إلى باريس بموعد جديد.

منير الربيع - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى