مرت بنا مؤخرا ذكرى حرب تموز التي دارت في لبنان بين إسرائيل وبين ما يسمى بحزب الله، والتي بدأت حين اختطف الحزب الإلهي بعض الجنود الإسرائيليين.
حين راجعنا الأرقام المتعلّقة بتلك الحرب، كل الأرقام أشارت لمصلحة إسرائيل، خسائرها الاقتصادية والبشرية والعسكرية أقلّ بكثير من خسائر لبنان، لكنّ المحلل العسكري إلياس حنا كان له توصيف طريف «خسرت إسرائيل لأنها لم تنتصر، وانتصر حزب الله لأنه لم يخسر»، والحقيقة أنه إذا انتصر حزب الله فقد انتصر على لبنان وحده.
بعد مرور هذه السنوات لو وضعنا لبنان وإسرائيل تحت مجهر المقارنة فإن النتائج ستكون مؤسفة، في إسرائيل دولة آمنة بينما في لبنان دولة مشلولة ومعطلة، فمن انتصر ومن خسر؟ والمضحك المبكي أنّ ما يسمّى بحزب الله تفرّغ بعد تلك الحرب لحراسة الحدود الإسرائيلية ووجّه سلاحه ضد الدولة اللبنانية وضد سوريا والعراق واليمن والبحرين، انتهت العداوة بين حزب الله وبين إسرائيل، وانصبّ غضب الميليشيا الإيرانية على المملكة العربية السعودية.
بعد حرب تموز أصبح ما يسمّى بحزب الله يشبه إسرائيل أكثر من أيّ طرف آخر، فما مارسه حزب الله من قتل وتهجير وإرهاب وتعطيل ضد اللبنانيين والعرب فاق ما فعلته إسرائيل نفسها في فلسطين، لذلك ليس غريبا القول بأن الحزب الإلهي وسيدته الإيرانية أسوأ من الصهاينة، وهذه مذمة لإيران وميليشياتها لا ثناء لإسرائيل.
ذاكرة العرب قصيرة للأسف، ما هي أسباب حرب تموز؟ لم تكن القضية تحرير الأسرى اللبنانيين كما زعم البعض، آنذاك كان الحديث الدولي دائرا حول العقوبات على إيران وليس مفاوضات إيران كما جرى في عهد أميركا أوباما. وقبيل اجتماع دولي حاسم، قامت ميليشيا حزب الله الإيرانية بالمطلوب لتشتيت الحدث الدولي وتغيير مساره وتحسين أوراق التفاوض الإيرانية.
وكان اللبنانيون هم ضحايا ألعاب الجمهورية الإسلامية. ولا ننسى البعد الداخلي اللبناني، كانت القوى الاستقلالية تتمدد على حساب عملاء إيران وسوريا الأسد. وتعامل الممانعون مع ذلك بالاغتيالات وبالتفجيرات وبالتعطيل، وحين فشل كل ذلك جرّبوا إشعال الحرب.
كانت المملكة العربية السعودية عبر أعلى مرجعيّاتها طالبت أمين عام حزب الله بعدم إفساد الموسم السياحي اللبناني للتخفيف على اللبنانيين بعد تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعد حزب الله بأخذ متاعب الشعب اللبناني في الاعتبار، لكنه -كالعادة- نكث بالوعد، ونتيجة لذلك أطلقت المملكة تصريحها التاريخي في 15 يوليو 2006:
إن المملكة العربية السعودية كانت، ولا تزال، تؤمن بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومة هذا الاحتلال بجميع أشكاله، ورفض إجراءاته غير الشرعية الرامية إلى طمس الهوية وتغيير الوقائع على الأرض، ومن هذا المنطلق كانت المملكة تقف، دوماً، وبكل إمكاناتها مع المقاومة الفلسطينية المشروعة التي تستهدف مقاومة الاحتلال العسكري وتجنب إيذاء الأبرياء، ومن المنطلق نفسه وقفت المملكة بحزم مع المقاومة في لبنان حتى انتهى الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني. المملكة إذ تستعرض بقلق بالغ الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور الآن في فلسطين ولبنان، تودّ أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية، وبين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها، دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها ومن دون تشاور أو تنسيق مع الدول العربية، فتوجِد بذلك وضعاً بالغ الخطورة يعرّض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار دون أن يكون لهذه الدول أيّ رأي أو قول. إن المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها.
غضب الممانعون من توصيف حربهم الأنانية بالمغامرة غير المحسوبة، ويجدر تذكيرهم بأن أمين حزب الله -من دون أن يدري- أيّدَ توصيف المملكة ودقة حكمها في تصريحه المعروف بعد انتهاء الحرب مباشرة «لو كنت أعلم أن ردة فعل إسرائيل بعد خطف جنودها ستكون بهذا العنف لما خطفت الجنود».
لو كانت السعودية أخطأت في حرب تموز فخطؤها كامن في عدم الالتزام الحرفي بتصريحها «مغامرات غير محسوبة»، كان واجبا على المملكة أن تترك مسؤولية جمهور ما يسمّى بحزب الله على إيران وتستثنيه جغرافيا وبشريا من المساعدات، لكن المملكة دائما تقدم نهجها الأخلاقي على دناءة خصومها، وهذا ما يقتلهم أكثر.
أحمد عدنان - عكاظ