بعد نشره في شهر أيار الماضي تقريراً، سلط فيه الضوء على رجل أموال حزب الله محمد جعفر قصير، المعروف بالحاج فادي. يعود الكاتب الإسرائيلي، يوآف ليمور، ليكشف هذه المرة بالتعاون مع مصادر استخباراتية، تفاصيل جديدة في صحيفة "إسرائيل هيوم"، عن الطرق التي يتم فيها تمويل حزب الله، والقدرة على المناورة والالتفاف على العقوبات الأميركية.
اللعبة السورية
يشير الكاتب الإسرائيلي، أن سوريا مَدينة بشدة لروسيا بسبب مبيعات الأسلحة، وغيرها من المساعدات التي قدمتها لها موسكو. إلا أن العقوبات الحالية المفروضة على النظام السوري تحول دون سداد هذه الديون مباشرة. وكان الحل بالتوصل لاتفاق بين طهران ودمشق، قامت إيران بموجبه بتغطية جزء من الديون من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك براميل النفط. وفي المقابل، سحبت سوريا مئات الملايين من الدولارات نقداً من مصرفها المركزي وسلمتها إلى حزب الله.
سمحت هذه الطريقة، التي لفظت أنفاسها الأخيرة العام الماضي، بفعل العقوبات الأميركية الجديدة على طهران، لكل من سوريا وإيران "باللعب وفق القواعد"، حيث لم تكن سوريا تنتهك العقوبات المفروضة على نظامها، لأن إيران كانت هي من تقوم بالدفع، وبدورها لم تنتهك إيران العقوبات التي تمنعها من تحويل الأموال إلى الحزب، لأن سوريا كانت تقوم بالمهمة.
رجلا الظل
يلعب الحاج فادي، حسب ليمور، دوراً محورياً في تحويل الأموال. وبما أن حزب الله يعتمد إلى حد كبير على النقد، تعمل شبكات التهريب المتخصصة التي يُشرف عليها، على نقل الفواتير بالدولار أو اليورو من طهران إلى بيروت، ومعظمها تمر عبر دمشق.
هذا ليس كل شيء، فهناك لاعب رئيسي آخر في تحريك الأموال، وهو رجل الأعمال السوري، عامر شويكي، الذي يعمل كواحد من القنوات الرئيسية في المنطقة لتحويل الأموال غير المشروعة، ويساعد إيران على تجنب العقوبات، وكذلك تمويل الحزب ومجموعات أخرى. يقتبس شويكي شخصية تاجر المخدرات الأكثر شهرة بابلو إسكوبار في مسلسل الجريمة "ناركوس". وليظهر مدى ثقته بنفسه، نشر هذا الأخير صورة له وهو يجلس على كومة من المال قّدرها مسؤولو الاستخبارات الغربيين بحوالى 100 مليون دولار.
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شويكي في تشرين الثاني 2018، لدوره في الشبكة المعقدة التي شكلتها إيران وروسيا للالتفاف على العقوبات الأميركية، من خلال رجال أعمال غير معروفين على الساحة الدولية ولا حتى المحلية. لكن من غير المؤكد، وفق ليمور، أن تؤتي هذه الإجراءات ثمارها، خصوصاً أن أشخاصاً مثل الحاج فادي وشويكي يعملان عادة في الظل ولا يغادران في الغالب مجال عملهما.
ابتداع طرق
أجبرت الأزمة المالية، أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، على إعلان "الجهاد الاقتصادي" منذ حوالى ستة أشهر. وأوضح لـ"شعبه" أنهم بحاجة إلى حسن التعامل مع فترات التقشف. وهذه ليست مسألة بسيطة، فالحزب يمول مجموعة متنوعة من الأنشطة. بالتالي، يتوجب عليه القيام بمناورة شديدة الدقة للحفاظ على نشاطه المدني، الذي هو أساس قوته السياسية في لبنان.
تُدرك إيران أهمية مواصلة تمويل الحزب. وقد كشفت وكالات الاستخبارات الغربية العام الماضي، حسب ليمور، أن البنك المركزي الإيراني كان على اتصال مع الصرافين البدويين لقبول الأموال التي يمكن أن يوزعوها على مختلف المنظمات التي تمولها إيران في المنطقة. وبعد نقل المعلومات إلى الأميركيين، تم إقفال هذا الأنبوب. في الوقت نفسه، اتضح أن إيران لا تزال تدير شركات تحت أسماء وهمية، لاستخدامها في تحويل الأموال. إحدى هذه القنوات كانت تمر عبر "بنك البلاد الإسلامي" في العراق. ومرةً جديدة، أدت المعلومات الاستخباراتية لفرض أميركا عقوبات على البنك لمساعدته وتحريضه على الإرهاب.
لدى الإيرانيين خطة منظمة لتمويل حلفائهم. إذ تأتي الأموال في ميزانية سنوية يتم الاتفاق عليها وتخضع للإشراف بعد تمريرها من قبل عدد من اللجان. ثم يتم إرسال معظم الأموال من خلال فيلق القدس عبر سوريا. ونظراً للضرر الذي سببته العقوبات الأميركية، أُجبرت طهران على إرسال الأموال نقداً. وهذا ما دفع، حسب ليمور، وزارة الخارجية الإيرانية بتحويل حوالى 100 مليون دولار نقداً إلى الحزب سنوياً من خلال استخدام جوازات السفر الدبلوماسية. حيث يقوم الدبلوماسيون الإيرانيون الذين يصلون إلى بيروت على متن رحلات تجارية، بحمل حقائب مليئة بالدولارات وتسليمها إلى أعضاء الحزب. وبما أن الدبلوماسيين يتمتعون بحصانة، فلا يمكن لمس هذه الأموال التي تصل في "البريد الدبلوماسي". كما يضيف ليمور، أن أسماء الأشخاص المعنيين وتواريخ تحويل الأموال معروفة لدى مجموعة متنوعة من المسؤولين الدوليين، إلا أن طريق تهريب الأموال هذا لم يُغلق بعد.
وهناك طريقة، تم الكشف عنها، بعد فوات الأوان، وهي بيع البضائع لرجال الأعمال والشركات المرتبطة بالحزب. ويذكر الكاتب، أنه في العام الماضي، تم بيع هؤلاء الأشخاص والشركات باخرة إيرانية مُحمّلة بالحديد كانت راسية في مرفأ بيروت. وبالرغم من أن الشركة الإيرانية التي كانت تملك السفينة تخضع للعقوبات، إلا أن الصفقة تمت ومن المرجح أن الحزب تلقى بعض الأموال.
الحريري والنظام المصرفي
في حديثٍ مع الصحيفة، يقول عوزي شايع، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية، والذي كان له دور كبير بإغلاق البنك اللبناني-الكندي، أن جميع أموال الحزب مبنية على النظام المصرفي اللبناني، فلا يمكن لأي منظمة بهذا الحجم أن تعيش من حقائب المال. وأضاف "إنهم ليسوا حماس. فهم يمتلكون ميزانية تبلغ حوالى مليار دولار، ولا يمكن التعامل معهم نقداً في حقائب. من المؤكد أن لديهم طرق تمويل ونحتاج إلى تحديد مكانها واغلاقها".
إذا بقي الوضع على حاله لسنوات أخرى، سيحتاج نصر الله، حسب ليمور، لاتخاذ بعض القرارات الصعبة من أجل إبقاء المنظمة عاملة في شكلها الحالي. ويتضمن ذلك الاختيار بين زيادة قوتها العسكرية أو النشاط الاجتماعي الذي يمثل جوهر وجودها. ويترافق هذا الأمر مع رؤية إسرائيلية تشجع على استهداف الدولة اللبنانية. وهنا يشير الكاتب الإسرائيلي، أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري طلب من الولايات المتحدة أثناء زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي، عدم اتخاذ إجراء من شأنه أن يضر لبنان أو مؤسساته.
وتعليقاً على زيارة الحريري لواشنطن، يقول شايع "إذا أردنا أن تتخذ الحكومة اللبنانية إجراءات، فليس بالضرورة أن نهاجمها بطائرات. فالمسار الاقتصادي يمثل حلاً رائعاً. قد يكون بمثابة صدمة، لكنه سيمنع الحاجة إلى إجراءات أكبر في المستقبل. كل ما علينا أن نفعله هو اتخاذ القرار وتركيز قوتنا والتحرك".
المصدر: المدن