الاستنفار السياسي - الدبلوماسي الذي شرعت به الدولة اللبنانية ممثلةً برئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في أعقاب عملية "الانغماس" الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت ما زال مفعَّلاً.
الدولة، تأبطت جرعات دعم "تصريحية" صدرت عن الرئاستين الأولى والثانية ثم "دشّمت" نفسها بنشاطٍ عسكري تتولاّه المقاومة من جهة والجيش اللبناني من ناحية ثانية، أما الهدف الذي تراقبه الأعين فما زال يتوارى خلف الدشم!
خلال الساعات الثماني وأربعين الماضية، ثبَّت الإسرائيلي معادلة الخوف لديه. جنوده الذين تناوبوا على "حرث " الحدود طولاً وعرضاً في الأيام العادية، لجأوا إلى اعتماد استراتيجية التخفي، حيث لم يُسجَّل أيّ تحرّك لهم، خلافاً لادعاءات صحفيّة تحدّثت عن "استنفار إسرائيلي" على طول الحدود.
في المقابل، بدا الاستنفار "مقاوماتياً" غير مرئيّ، مع توافر معلومات لـ"ليبانون ديبايت"، تشير إلى إستدعاء جهوزية لدى المقاومة بلغت نسبة ٩٥٪ على القطعات العسكرية كافة منذ الاثنين الماضي، بالتوازي مع إستنفار بنسبة عالية أقدم الجيش اللبناني على اتخاذه عند النقاط الحدودية الجنوبية.
في معلومات "ليبانون ديبايت"، فإنّ الجيش اللبناني ومنذ لحظة حصول الاعتداء الاسرائيلي في الضاحية، اتخذ خطوات عسكرية قتالية متدرِّجة عند الحدود الجنوبية تولتها القطع العسكرية المُنتَشِرة هناك.
ومع اتضاح معالم الموقف السياسي الذي اعتبر على لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أنّ "ما أقدم عليه الاسرائيلي هو بمثابة إعلان حرب"، وكلام رئيس الحكومة سعد الحريري حول "الاعتداء الاسرائيلي الموصوف وأنه البادئ"، وبعد إنتهاء إجتماع المجلس الأعلى للدفاع، اتخذ القرار بتعزيز القوات عند الحدود عبر استقدام تعزيزات عسكرية تتلاءم وطبيعة التهديدات، ما يدلّ على أنّ الجيش اللبناني باشر عملية "الاحتواء والتحضير" لأيّ تطور عسكري، مستعينًا بأجواءٍ سياسية أكثر من ملائمة.
ويشير أكثر من مصدر، عسكري وميداني، إلى أنّ قطعات الجيش المندرجة تحت خانة "ضد الدروع" باشرت تنفيذ بنود خطط موضوعة سلفاً للمواجهة، تجيهزاً وانتشاراً، تحت قيادة ميدانية قوامها ضباط منتدبين لادارة القطعات في المنطقة، حيث أحكمت اغلاق مناطق وجعلتها "عسكرية صافية" واعطت الأوامر للجنود بـ"إطلاق نار فوري تجاه أي تحرك معادٍ"، وهو ما اعتُبِر بمثابة خروجٍ عن المفاهيم الشائعة حول تحاشي وحدات الجيش الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة جنوباً.
على مقلب المقاومة، فإنّ "حركشة" قوات الاحتلال تدل على خشيته منها ومن إحتمال الدخول في مواجهة عسكرية واسعة، في ظلّ تحذيرات دولية تُنبٍّه من مغبة إنزلاق الأمور نحو مواجهة "غير مدروسة" في حال أقدم حزب الله على الرد بمستوى سقف مرتفع.
وفي سبيل ذلك، تسعى قوى دولية استعان بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الى فرض ما يشبه "ضمانات" تقوم على مسارين، الأوّل امتصاص نقمة إسرائيل في حال حصول رد من قبل حزب الله واعتبار أنّ ذلك كافياً ولا يستدعي تعميق الرد ما يستدعي الدخول في مواجهة، مقابل رهان على ضغوطات داخلية تُمارَس على الحزب لإبقاء ردّه "ضمن المعقول" بحيث لا يُستغَل اسرائيليًّا.
لكن الشيء المُلفِت، هو تحرّك "دول أساسية" تجاه محاولة تأمين ضمانات تخفف من وطأة خروقات إسرائيل للقرار ١٧٠١ إنسجاماً مع المطلب اللبناني، ليس مراعاةً له بل خشية من نوعية ردّ الحزب، في محاولة تندرج تحت خانة "الاغراءات".
في المقابل، تسعى هذه الجهات، الى حفظ ما تسمّيه "حق اسرائيل في حرية الملاحة الضرورية في سماء لبنان".
على المقلب الآخر، تتعامل إسرائيل مع الأحداث وفق منطق أنّ ردّ حزب الله آتٍ، لذا تعمل على محاولة الحدّ من الخسائر البشرية والركون الى تأمين أهداف أخرى ثم تلجأ إلى رفع نبرتها التهديدية.
ولكي تبدو الأمور واضحة لناحية الهلع الإسرائيلي المتنامي، ما زالت سيارة من طراز "سوفا ٣" معطلة عند بوابة موقع عسكري في مستعمرة المطلة المقابلة لبلدة كفركلا، حيث لا يجرؤ الجنود على التقدّم نحوها وسحبها.
وفي تقدير المتابعين، أنّ إسرائيل تسعى الى التعامل مع "ردّ حزب الله"، على قاعدة امتصاصه أو توفير أهداف تنتقيها هي، بمعنى، أن تأتي وفق المطلوب اسرائيليًّا. لذلك فُسِّر تسعير نشاط المُسيّرات فوق سماء لبنان خلال الساعات الثماني وأربعين الماضية ووُضِعَ تحت فرضية الدعوة الاسرائيلية الى المقاومة لتحقيق تهديدات السيد حسن نصرالله باستهداف المُسيّرات التي تجوب سماء لبنان.
وفي التقدير الاسرائيلي ربما، أنّ توفير أهداف من هذا النوع قد يجعل من الردّ في حال حصوله، كافيًا أو تحت سقف المعقول، كذلك يؤمِّن للاسرائيلي دراسة ما يمتلكه حزب الله للاستخدام ضدّ هذه المُسيّرات والمأسسة إلى فهم طريقة التعامل معه لاحقاً.
عبد الله قمح - ليبانون ديبيت