بعدما أمضت إسرائيل أعواماً وهي تهاجم مواقع ايران وميليشياتها في سوريا، دشّنت أخيراً حالاً جديدة باستهداف معسكرات "الحشد الشعبي" في العراق فلامست عصباً حسّاساً متصلاً بشكل مباشر بالتوتّر الأميركي - الإيراني، ثم تحرّشت بـ "حزب الله" في معقله بإرسال طائرتين مسيّرتين انفجرت احداهما فوق الضاحية الجنوبية، إضافة الى هجماتها الدائمة على قطاع غزّة. الأمر سيّان إذا كانت إسرائيل كلّفَت نفسها أو إذا كانت مكلّفة دولياً، بتغطية أميركية - روسية في سوريا، وأميركية في أي مكان آخر. فالسائد هو أن إيران هي الهدف، وبما أنها تعتمد على وكلائها حين تهدّد بإشعال المنطقة فقد أصبح هؤلاء مستهدفين، والفارق بينهم أن "الحشد" على تماسٍ مع الوجود الأميركي في العراق وأي احتكاك بينهما يفجّر أزمة داخلية كبرى، أما "الحزب" اللبناني فهو على تماسٍ مع إسرائيل وأي احتكاك بينهما يمكن أن يتوسّع سريعاً الى حرب إقليمية.
ليس مستبعداً أن تمتد الهجمات الإسرائيلية الى اليمن بغضّ النظر عن مدى فاعليتها ضد الحوثيين، إذ إنها يمكن أن تشكّل تحذيراً لإيران بأن تدخّلاً مباشراً (اميركياً - اسرائيلياً) يواكب "التحالف العربي" قد يغيّر مجرى الحرب. وحتى الذهاب الى حرب جديدة على غزّة، يتفاوت توقيتها بين قبل الانتخابات الإسرائيلية وإفصاح دونالد ترامب عن "صفقة القرن" أو بعدهما، لا تغيب عن حساباته المسبقة أن فصائل غزّة هي من أدوات إيران وأوراقها للضغط على الوضع الإقليمي.
لا شك في أن الأمين العام لـ"حزب الله" حصل مسبقاً على موافقة إيران قبل أن يعلن أن الهجوم بالطائرتين المسيّرتين سيلقى ردّاً. قد يقال إن الموافقة غير إلزامية وإن "الحزب" هو الذي يقدّر الموقف ويتصرّف، غير أن الظرف الراهن مختلف إيرانياً عما كان عليه في العام 2006. فطهران منشغلة بأزمتها التي تعطيها أولوية وتديرها بدقة، وعلى رغم أنها تجاري الولايات المتحدة في استبعاد الحرب إلا أنها مدركة أن اسرائيل تضرب في صميم الملفات التي يُفترض أن تتطرق إليها أي مفاوضات محتملة (الملف الصاروخي بات مرتبطاً بالسياسات الإقليمية، وهذه السياسات تعني أدوات ايران التي باتت مزوّدة صواريخ وطائرات مسيّرة...). لذلك فإن إيران لا تمانع تعامل الميليشيات صدّاً وردعاً ضد الهجمات لكن من دون منح إسرائيل فرصة توسيع المواجهات، ومثل هذا الخطر واردٌ فقط في لبنان، بحسب نوعية ردّ "حزب الله".
في العراق اجتمع أقطاب الدولة مع قادة "الحشد" الذين "ثمّنوا تضحياته"، لكن العبارة الأولى في البند الأول من بيانهم كانت "احترام مرجعية الدولة"، وورد فيه أيضاً "عدم الانجرار الى سياسة المحاور ورفض تحوّل العراق ساحة حرب" أو "منطلقاً لأي اعتداء على جواره". شيء من هذا حاول "اعلان بعبدا" عام 2012 بناء توافقٍ داخلي عليه، لكن عدم التزام "حزب الله" أفشله.
عبد الوهاب بدرخان - النهار