لا يرغب "حزب الله" في الحرب. ولا يسعى اليها. ولم يكن هو المستهدف في اعتداء الضاحية الجنوبية، بل كانت طهران هي الهدف. فقد تزامن الحدث مع اعتداءات مماثلة طاولت الحزب والحرس الثوري الايراني في سوريا، وتفجير مخازن اسلحة لـ"الحشد الشعبي" في العراق، وتصعيد في اليمن. الرسالة الاميركية كانت واضحة بتحريك الجبهات التي تُعنى بايران دفعة واحدة، تزامناً مع مشاركة وزير خارجية الجمهورية الاسلامية محمد جواد ظريف في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في بياريتز، ولقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. واذا كان اللقاء يحظى بغطاء اميركي لدفع عملية التواصل الاميركي - الايراني، فان رفع السقوف دليل على جدية المبادرة، وسعي كل طرف الى تحسين شروطه التفاوضية. وعادة ما تشهد عمليات التفاوض تصعيداً متوازياً، يعتبر كل طرف انه يحسّن موقعه التفاوضي.
وتأتي المبادرة مع تسريبات غير اكيدة، تتحدث عن ان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو وضع استقالته في تصرف الرئيس دونالد ترامب لأسباب عائلية خاصة، لكن الرئيس طلب تأجيلها مرحلياً لجملة امور، منها دقة الموقف في العلاقة مع إيران والتي تسعى سلطنة عمان الى ربطها، اذ تقوم باتصالات مكثفة بين واشنطن وطهران لتأمين زيارة لبومبيو الى الجمهورية الاسلامية تكون اول اتصال رسمي اميركي رفيع مع طهران. ويفضل ان يتولى بومبيو شخصياً هذا الملف لكونه من معارضي الحرب على ايران، وكان له تأثير واضح في حجب ضربة كانت متوقعة قبل مدة.
امام هذه الوقائع يصبح الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية تفصيلاً صغيراً لا يعتدّ به في الحسابات الكبيرة، والرد عليه جاء من منطلق التصعيد السياسي، وليس الامني فقط، مع ايلاء الجانب الاخير اهمية قصوى، لان اي تعديل في قواعد الاشتباك مع اسرائيل، يعرّض البلد لهزات لا تقتصر تداعياتها على الامن فحسب، بل تصيب الاقتصاد الذي يمر بمرحلة دقيقة، فعماد الاقتصاد هو الاستقرار الامني.
الرد العنيف من السيد حسن نصرالله، لا يعني ان البلد ذاهب الى حرب، فكل المعنيين بالحرب ليسوا على استعداد لها، لانها مكلفة، ولن يخرج احد منها رابحاً، فالانتصارات المحققة تبقى محدودة امام هول الخسائر التي تنتج منها. الرد يستهدف الابقاء على قواعد الاشتباك السائدة قبل ذلك، اي منذ العام 2006، وهي، وإن كانت غير عادلة للبنان، الا انها تبقى افضل الممكن في ظل الازمات المتراكمة. وخطاب الردع للسيد نصرالله يبقى بتداعياته اقل من خسائر يمكن ان يتسبب بها تغيير قواعد الاشتباك من جانب اسرائيل، واعطائها المجال لنفسها باستهدافات متكررة داخل لبنان، لما لذلك من انعكاسات سلبية على مجمل الاوضاع الامنية اولا، والاقتصادية ثانيا، والاجتماعية ثالثا، والجانب الاخير يحظى باهتمام واسع لدى الحزب وغيره، بدليل ان نصرالله تحدث عن انماء بعلبك – الهرمل ومناطق اخرى في عز الحمأة، قبل الدخول في تفاصيل الاعتداء الاسرائيلي.
ليس صحيحاً ان المنطقة ذاهبة الى حرب شاملة او واسعة، لان فيها من الحروب ما يكفي، لكن الاكيد ان ثمة مساعيَ للذهاب باتجاه آخر غير واضح المعالم حتى اليوم.
غسام حجار - النهار