يكاد يكون خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، هو الخطاب الأخطر والأكثر تصعيداً منذ حرب تموز إلى اليوم. وهو قال إنه يريد لموقفه أن يكون على مستوى خطورة التطور الذي حصل. التهديد الذي أطلقه نصر الله بشكل مباشر للإسرائيليين، ألزم نفسه به، أي الرد على استهداف منزل يقيم فيه عناصر لحزب الله في سوريا، مؤكداً أن الردّ سيكون من لبنان، وليس من مزارع شبعا. وتوجّه إلى الإسرائيليين بالقول إنه لا يمكن لهم أن يعيشوا باطمئنان وارتياح. أما المعادلة الجديدة التي رفعها نصر الله، فهي إسقاط الطائرات الإسرائيلية المسيّرة.
قواعد نصرالله واتصال بومبيو
التهديد الذي وجهه نصر الله للإسرائيليين، يمكن قراءته باستعادة عملية اغتيال جهاد مغنية في الجنوب السوري. وردّه حينها عليها في مزارع شبعا، بمعنى ضربة مقابل ضربة. وهكذا سيكون نوع الردّ الذي سيختار حزب الله توقيته المناسب. بمعنى أن الرد سيكون "عملية للدفاع عن النفس".
غيّر نصر الله قواعد اللعبة، بطريقة مدروسة، معلناً أنه سيسقط الطائرات "الدرون" التي ستدخل إلى السماء اللبنانية. وهو بذلك لا يخرق القرار 1701، باستثناء مسألة الردّ على مقاتلي الحزب الذين سقطوا في سوريا.
وهذا، وعلى عكس المخاوف المبالغ بها، من شأنه أيضاً أن يكون باباً جديداً لفتح التفاوض بشكل أو بآخر من قبل جهات دولية متعددة، تنتزع من الإسرائيلي بعض التنازلات، لا سيما لجهة وقف استخدام هذا النوع من الطائرات وخرقها للأجواء اللبنانية، ووقف محاولات الاستهداف. خصوصاً أن لبنان كان يتجه إلى إعادة تجديد المفاوضات مع الأميركيين لترسيم الحدود، وما يتكامل مع هذا الهدف، هو اتصال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالحريري بعد حادثة الضاحية، وتأكيده له بتجنب أي تصعيد ومنع أي تدهور.
الاتصال تضمّن رسالة أميركية للمعنيين عبر الحريري، تشير أن واشنطن لا تريد التصعيد، ولا تريد مواجهة بين لبنان وإسرائيل. وهذا من الممكن البناء عليه. كما لا يمكن فصله أيضاً عن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى فرنسا، بالتزامن مع عقد اجتماع الدول السبع.
الحلقة الأضعف
تركيز نصر الله أن الرد سيكون من لبنان، يعني أنه لم يعد يلجأ إلى الردّ من سوريا أو العراق. وهو تحدّث عن أن الحزب سيفعل ما يجده مناسباً، بمعزل عن العراق وسوريا، ولن يقبل تكرار السيناريو العراقي، أي استهداف الإسرائيليين لقوات الحشد الشعبي في العراق من غير رد. ما يعني تغييراً (نسبياً) في مبدأ توحيد الجبهات، الذي أعلنه نصر الله في السابق، والذي يقوم على مبدأ أن أي عملية يتعرض لها طرف من "محور المقاومة" سيكون الرد عليها من الجبهات المختلفة. نصرالله نقل المعركة بشكل مباشر وصريح إلى لبنان. بينما إسرائيل، للمفارقة، لجأت إلى الاستجابة لمبدأ توحيد الجبهات في استهدافها للضاحية بالتزامن مع ضربة دمشق وضرب قوات الحشد الشعبي بطائرات مسيرة.
نصر الله أخرج نفسه من هذا الردّ المتكامل، مستعيداً خصوصيته اللبنانية، بإعلانه أن ميدان الرد سيكون في لبنان، وليس في سوريا، ولا في العراق. وهذا ربما يعود إلى اعتبارات سورية، نظراً للنفوذ الروسي. أما في العراق فبسبب أمر واقع العلاقات العراقية الأميركية. وعلى هذا، يكون لبنان هو الحلقة الأضعف، التي يستطيع فيها نصر الله اتخاذ أي قرار أو إجراء.
تفادي الحرب
من الواضح أن رسائل نصر الله المباشرة إلى الإسرائيليين، وتحميل نتنياهو مسؤولية ما يجري. يعني أنه يريد أن يدخل بقوة في المعركة الانتخابية الإسرائيلية. فإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد أن يستثمر في هذه العمليات، لتعزيز حظوظه الانتخابية، فإن ردّ الحزب سيكون قوياً في تأثيره سلباً على نتنياهو في صناديق الاقتراع، على ما قال نصرالله مخاطباً الناخبين الإسرائيليين: "يقودكم إلى الهاوية، وقد يوقعكم فيها إذا استمر على هذا النحو".
الأكيد أن حزب الله لا يريد أي حرب. وهو قالها سابقاً أنه قوة لمنع الحرب. وفيما أعلن الإسرائيليون استهداف قوات إيرانية في سوريا، نفت إيران ذلك وكذلك فعل الحزب. ما يعني أن طهران تريد أن تتفادى الحرب.
يبقى الحزب ملزماً بالردّ المحدود والموضعي على العملية. إنما أيضاً وفق ضربة محسوبة تحاشياً لحرب واسعة، للحفاظ على وضعه القوي وما راكمه من مكتسبات سياسية وعسكرية، لا يريد التفريط بها ولا استنزافها. فالطموح الأخير هو تحسين شروط التفاوض.
منير الربيع - المدن