انتهت مع انصرام شهر تموز الفترة الزمنية التي طلبتها الكتل النيابية المختلفة من كتلة الرئيس نبيه برّي "التنمية والتحرير"، لإعطاء الردود والملاحظات على الاقتراح المسودة الذي أعدته الكتلة لقانون انتخابي جديد، مبني على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية.
وكانت الكتلة شكلت لجنة ثلاثية برئاسة النائب أنورالخليل، وعضوية النائبين هاني قبيسي وإبراهيم عازار، عملت بهدوء لإنجازمسودة الاقتراح. وجالت والتقت كل الكتل وأطلعتها عليها، تمهيداً لإعداد الاقتراح بصيغته النهائية وتقديمه إلى دوائر المجلس، ليأخذ مساره القانوني في النقاش الجدّي أمام اللجان النيابية المختصة.
قبول وتحفّظ ورفض
وعلمت "المدن" أن غالبية الكتل لم تعط أجوبة بعد، باستثناء "القومي"، الذي رحب بالطرح وأيده. وكذلك رئيس حزب الاتحاد النائب عبد الرحيم مراد. بينما أعطى الرئيس نجيب ميقاتي جواباً شفهياً عبّر فيه عن تفضيله المشروع الذي كانت أعدته حكومته، والذي يعتمد النظام المختلط ما بين النسبي والأكثري والمحافظات الخمس.
عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل"، النائب السابق الدكتور مصطفى علوش، قال لـ"المدن" إن الكتلة لم تدرس الاقتراح بعد وتناقشه، لتتخذ منه الموقف المناسب، مؤكداً الموقف المبدئي للكتلة الذي يفضل الدوائر الكبرى (المحافظات الثماني)، معتبراً أن "النسبية" أصبحت أمراً واقعاً، لكن النقاش يبقى في تفاصيلها وآلياتها، ما بين الصوت التفضيلي أو الصوتين، أو النسبية المطلقة الموسعة التي تفرض عملياً الدوائر الموسعة والكبرى.
عضو كتلة "الوفاء للمقاومة"، النائب أنور جمعة، أبلغ "المدن" أن حزب الله كلف لجنة متخصصة لدراسة الاقتراح بكل تفاصيله، ورفع الرأي للجهات المعنية لاتخاذ القرار وإبلاغه للأخوة في كتلة "التنمية والتحرير"، علماً أن موقف الحزب المعلن والدائم كان مع طرح لبنان دائرة واحد والنسبية.
وفي وقت وصف رئيس حزب "القوات اللبنانية" الاقتراح بأنه ولد ميتاً عندما بدأ الحديث عنه، قال عضو كتلة "الجمهورية القوية" النائب عماد واكيم لـ"المدن": "لبنان ليس جاهزاً بعد لهذه النقلة وهذه الصيغة. والاقتراح بحاجة إلى وقت ونقاش مطول. ويكفينا ما لدينا من مشاكل في لبنان. وقانون الانتخاب يحتاج إلى توافق، وإلا فالخلاف حوله سيوصل ربما إلى حرب أهلية. وبقينا منذ العام 1960 حتى الـ2018 حتى توصلنا إلى القانون الحالي، فلنصرف الجهد الذي سيبذل في مكان آخر، في ظل ما نعانيه الآن من مشاكل.. وبالناقص مشكل".
"الوطنية" و"الدستورية"
عضو اللجنة المكلفة بإعداد الاقتراح، وعضو "التنمية والتحرير"، النائب إبراهيم عازار قال في حوار مع "المدن": "إن من دوافع هذا الاقتراح هو أن تجربة النسبية وفق القانون الحالي مع الصوت التفضيلي، أفرغته من مضمونه وأعادتنا تقريباً إلى القانون الأرثوذكسي".
ولخص أهم مفاصل الاقتراح باعتماد "الكوتا النسائية" كمرحلة انتقالية، لتصبح مشاركة المرأة جزءاً من الثقافة السياسية، وخفض سن الاقتراع إلى سن 18 سنة. وهو ما يحتاج إلى تعديل دستوري بمنطق الواقعية، البعيد عن الهواجس العددية لدى البعض. واعتماد البطاقة الإلكترونية التي تُتيح الاقتراع في أماكن قريبة من السكن، وتُخفف وربما تلغي الشوائب في العملية الانتخابية وعوامل الرشوة، إضافة إلى هيئة الإشراف على الإنتخابات، التي يجب أن تكون مستقلة تماماً مالياً وإدارياً، وتُعطى صلاحيات وزارة الداخلية بكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية، منذ تحضير لوائح الشطب حتى إعلان النتائج. وأن تكون دائمة لمدة سنة، تفادياً لتضارب المصالح، على أن تتألف من تسعة أعضاء، يتم اختيارهم من بين القضاة والمدراء العامين السابقين والإعلاميين وخبراء المحاسبة وغيرهم.
ويعبّر نائب جزين عن عدم اقتناعه بوجود دائرة للإغتراب، إذ لا يجوز التمييز بين نائب وآخر في المجلس. وإذا كان المغترب مهتماً ويعنيه ما يجري في البلد الأم، يُفترض به المشاركة في الانتخابات كما المقيم من مكان إقامته، بعد توفير البطاقة الإلكترونية، وبلا تسجيل مسبق. فقد بينت التجربة الأخيرة أن نسبة الذين شاركوا ممن تسجلوا لم تتجاوز النصف.
وتحدث عن ترتيب مسبق للأسماء وفق اللوائح المقفلة، ومراعاة التوزيع الطائفي والمذهبي في كل قضاء، مع اعتماد المناصفة أولاً، ثم المداورة بين المذاهب في ترتيب اللائحة حسب الأقضية، واعتماد النجاح أفقياً وليس عامودياً. وهو ما قد يسمح بنجاح مرشح في أسفل اللائحة وفق الترتيب، مع شرط وجود مرشح واحد في كل قضاء على الأقل، أي يُمكن تشكيل لائحة غير مكتملة من 26 مرشحاً (26 قضاء في لبنان).
وأمل في إعادة إحياء ثنائية الكتلتين "الوطنية" و"الدستورية" التي كانت موجودة سابقاً في المجالس النيابية، نافياً رداً على سؤال أن يكون هذا الطرح يستهدف التيار الوطني الحر، ورئيسه الوزير جبران باسيل، مؤكداً أن هذا الاقتراح سيؤدي إلى وجود تحالفات سياسية واسعة.
لا تختلف ردود الكتل الأخرى في تعددها وتباينها، ولذا، يبرز السؤال الكبير: لماذا بدا الرئيس بري مستعجلاً للتخلص من قانون 2017، وما هو مصير اقتراح القانون الجديد الآن، في ظل احتدام الانقسامات السياسية؟ وهل ستتقدم به كتلة "التنمية والتحرير" رسمياً من مجلس النواب، ليبدأ وضعه أمام اللجان النيابية المختصة، ويبدأ النقاش به.. ولو شكلياً؟
اكرم حمدان - المدن