المسافر في أوروبا يدرك ان هنالك مناخ انكماش يعود الى اسباب متعددة منها الخلاف الاميركي - الصيني على معدلات الرسوم على المستوردات، والذي اطلقه أساسًا الرئيس ترامب من غير ان يدرس نتائجه ومن غير ان يقوّم قدرات الصين على مواجهته.
اليوم في خضم توقعات عودة المفاوضات الصينية - الاميركية وبعد اعلان ترامب نيته فرض رسوم ضريبية اضافية على مستوردات قيمتها 300 مليار دولار ورد الصين الذي تمثل في خفض سعر صرف عملتها وحصر مستورداتها الغذائية من الولايات المتحدة، بدأت تظهر معالم تراجع الرئيس الاميركي الى حد ما عن تصلبه حيال الصين. فهو كان قد أعلن منذ بضعة أشهر وجوب التوقف عن التعامل مع شركة "هواوي" لتصنيع الهواتف النقالة وأنظمة تفاعلها، بل هو طلب آنذاك توقيف المديرة العامة للشركة التي كانت تنوي السفر عبر مطار كندي وتسليمها الى الولايات المتحدة. وقد رفض الكنديون طلبه، ومن ثم أعلن توقيف اجراءات منع الشركات الاميركية من التعامل مع شركة "هواوي" حينما تلقى رسالة من شركة "آبل" أنها تخسر من اجراءاته 60 مليار دولار سنويًا. وبعد ذلك قدّر صندوق النقد الدولي ان الخسائر التي تطاول المجتمع الدولي من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تساوي 1200 مليار دولار وهذا التراجع في حجم التجارة الدولية يسهم في خفض معدلات النمو في الولايات المتحدة والصين وعدد من الدول الاوروبية.
بداية هذا النوع من التأثير يظهر في المانيا التي هي البلد الاوروبي الاكثر اعتمادًا على التصدير والتي تنعم منذ فترة بعمالة فائضة ونقص في عدد العمال المهنيين، وللمرة الأولى منذ سنوات انحسر معدل النمو في المانيا في الربع الثاني من السنة على رغم استقبالها عدداً كبيراً من المهجرين في السنتين المنصرمتين. اضافة الى انحسار معدل النمو في المانيا وتوقع مسؤوليها استقبال ستة ملايين مهجر من أصحاب الكفاءات تراوح اعمارهم بين 20 و24 سنة ويمكن تدريبهم على الانتاج سواء الصناعي أو الخدماتي في العقد المقبل الذي ينتهي سنة 2030.
يضاف الى مشاكل المانيا، وهي البلد الاوروبي الاكثر نجاحًا على الصعيدين المالي والاقتصادي، فلديها احتياط ضخم متكون من الفوائض الكبيرة خلال السنوات المنصرمة، هنالك الآن توقعات متشائمة حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في نهاية شهر تشرين الاول، وحسب الدراسات الالمانية أن هذا الانسحاب سيكون من دون موافقة الدول الاوروبية المتحدة على منهجية الانسحاب، ورئيس وزراء بريطانيا لن يجد الفرص التي يريدها من توسيع التعاون مع الولايات المتحدة، لان معدل النمو في الولايات المتحدة منخفض وفي الوقت ذاته معدلات الفائدة على سندات الدولة لـ10 سنين اصبحت دون معدلات الفائدة على السندات لمدة سنتين، وهذا الوضع يعبر عن تخوف الاميركيين من مواجهة ازمة انكماش اسوأ مما واجهوا عام 2008، ويرى بعض المحللين ان الازمة وافدة في غضون ثمانية أشهر.
شهدت أوروبا تطورًا خطيرًا في نجاح مطالبة وزير الداخلية الايطالي بحل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة وهنالك مؤشرات لكون حزبه اليميني الاتجاه بقوة، يريد الاستمرار في عضوية الاتحاد الاوروبي انما يطلب تعديل شروط نسب العجز وتسهيل برامج تحفيز الانتاج وترميم التجهيز الاساسي.
والى المؤشرات السلبية في العالم الصناعي والصين التي تحوز ثاني أكبر اقتصاد عالمي، ثمة مخاوف جدية من امتداد الخلاف بين الهند وباكستان حول قرار الهند بالنسبة الى اقليم كشمير الذي كان سبب حربين في السابق وقد تم احتواء نتائجها باتفاق هدنة بين البلدين. والهند تبدو كأنها تتخلف عن التزاماتها في اتفاق الهدنة. ومعلوم ان البلدين تحوزان عدد سكان ضخماً 1.2 مليار في الهند ومن هؤلاء 100 مليون مسلم، وأكثر من250 مليوناً في باكستان، وكلا البلدين يحوز قدرات نووية، واي حرب بينهما لا بد ان تصيب نتائجها مختلف بقاع العالم.
وهناك أيضاً، الى المؤشرات المخيفة المشار اليها، ازمة التعامل بين الولايات المتحدة وايران بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق ضبط التوجه النووي لايران، وهذه الازمة تؤثر على منطقة الشرق الاوسط ككل لان هنالك تنافساً في العراق بين ايران والولايات المتحدة على النفوذ في الحكم العراقي، والسعودية مقابل ايران تشكو من تعنت السياسات الايرانية وتدخل ايران في الحرب الدائرة في اليمن، ومقابل كل ذلك يواجه لبنان ضغوطاً سياسية واقتصادية منها ما يتعلق بأوضاع المهجرين السوريين في لبنان والتأثير الايراني على مجريات الحكم. ويكفي ان نشير الى ان الوزير الذي استنفر تدخل طلال ارسلان، بدعوى أنه كان مستهدفاً عند مرور موكبه في قرية قبرشمون، هو نفسه الوزير المسؤول عن شؤون المهجرين السوريين في لبنان. ومعلوم ان الوزير المعني يميل الى الحكم السوري الذي يرفض عودة المهجرين ما لم تكن لدى العائدين نية التزام حكم الاسد المعرض للاهتزاز.
لبنان سيعاني الازمات التي تؤثر على التجارة العالمية ومداخيل دول رئيسية كالولايات المتحدة، والصين واليابان، وأصبح من الواضح ان الحكم اللبناني لا يدرك مغزى ومعنى التطورات الدولية.
ان ما تعانيه المانيا حاليًا هو توافر فائض مالي وتقني لديها وحاجتها الى العمال المهرة، وحينما زارت انغيلا ميركل لبنان مع 40 من كبار رجال الاعمال في المانيا كانت تريد اقحام الشركات الالمانية في مشاريع البنية التحتية في لبنان، وخصوصاً الكهرباء التي تشكو من تغاضي الوزراء عن ان خطة الكهرباء الحالية ما هي الا اجتزاء من خطة الكهرباء التي وضعها الوزير باسيل في 2010 ولم ينفذ منها أي من الشروط الاساسية التي منها انشاء هيئة ناظمة، تشكيل مجلس ادارة من مهنيين، تكليف مؤسسة محاسبة دولية او عربية انجاز ميزانيات المؤسسة واخضاع عقود انشاء او استئجار معامل انتاج للوسائل القانونية الادارية الملزمة، ولم يتم التزام أي من هذه الشروط منذ عام 2008 وتكليف الوزير طابوريان شؤون الوزارة وهو الذي أصر على اعتماد الفحم الحجري لقيماً لمعامل توليد الكهرباء ولا نزال في عهد هذه التقنية.
مروان اسكندر - النهار