تكثر المناسبات التي تذرف فيها السلطة السياسية دموعها على القطاع الصناعي. وتتخلل المناسبات وعوداً بتطوير القطاع والاستفادة من الإمكانيات التي يكتنفها أهله. ناهيك عن إطلاق الوعود بزيادة فرص العمل في القطاع الذي يعمل فيه حالياً، وفق تقرير ماكينزي، نحو 195 ألف لبناني. لكن على أرض الواقع، لا ينال القطاع الصناعي أكثر من الوعود، علماً أن التطوير يمكن أن يسلك طرقاً عدة، ومنها الاعتماد على النفايات التي أوصلت لبنان إلى "العالمية"، حين وُصِفَ بجمهورية الزبالة، بفضل جهود السلطة.
الوقود البديل
تشكّل كلفة الطاقة ركناً أساسياً من أركان تحديد قيمة السلع المنتجة. وفي بلد يعاني من أزمة تقنين كهربائي وغياب الرقابة في ما يخص بورصة أسعار المحروقات، التي لا تتوافق مع أسعار النفط العالمية، يصبح خفض كلفة الطاقة أمراً جوهرياً بالنسبة للقطاع الصناعي، بالإضافة إلى الهاجس الدائم، وهو زيادة الإنتاج وخلق المزيد من فرص العمل والاستثمارات.
تتجه الدول الكبرى نحو اعتماد الطاقة البديلة، ليس فقط من أجل تخفيف كلفة الإنتاج، وإنما أيضاً للتقليل من المخاطر البيئية التي تنطوي عليها عملية استخدام النفط. ومن البدائل المعتمدة والمطروحة في لبنان، هو الوقود البديل الآتي من معالجة النفايات بالطرق العلمية الصحيحة، والتي يجسّدها المعمل المتواجد في منطقة غسطا، والذي يحول غالبية النفايات إلى وقود بديل، ما يجنّب مطمر غسطا أي نفايات متراكمة.
وبعيداً عن الآثار البيئية السلبية للتخلص العشوائي من النفايات، يؤيد الصناعيون خيار الوقود البديل الآتي من معالجة النفايات، عبر تحويلها إلى طاقة. فأولى استفادة الصناعيين حسب ما يقوله رئيس جمعية الصناعيين في لبنان فادي الجميل، في حديث لـ"المدن"، هو "التوفير في الطاقة وفي كلفة الإنتاج". والجمعية وفق الجميل "تطالب منذ خمس سنوات بضرورة وضع إستراتيجية كاملة لموضوع الاستفادة من النفايات، وتحويلها إلى وقود بديل ليستفيد منها القطاع الصناعي وباقي القطاعات". ويلفت الجميل النظر إلى أن "خلق فرص العمل الجديدة التي يمكن أن توفرها معامل معالجة النفايات، والانعكاسات الايجابية على كلفة الإنتاج ونوعية الطاقة المستعملة في الصناعة، يجب أن تترافق مع قوانين تحدد طرق استخدام الوقود البديل والجهة المستفيدة منه ومن عائداته، وما إلى ذلك".
مافيات المحارق والمطامر
تناقض قوى السلطة نفسها حين تفعل عكس ما تقوله. وعلى مدى أكثر من أربع سنوات، لم تخجل تلك القوى من عجزها عن إيجاد حل لأزمة النفايات، ولم تقدم اعتذارها إلى اللبنانيين في ما يخص محاولات الإستفادة من هذه الأزمة عبر صفقات مشبوهة، هدفها مراكمة الثروات على حساب صحة الناس وخزينة الدولة والقطاعات الإنتاجية.
صناعياً، ومع أن رئيس الحكومة سعد الحريري أكد على أن جهود حكومته ستتركز على "استكمال الدراسات لإنشاء وتطوير المناطق الصناعية القادرة على توفر البيئة المحفزة للصناعيين اللبنانيين. وتشجيع المشاريع المشتركة مع القطاع الخاص الأجنبي"، إلا أن قضية الوقود البديل غير مطروحة على جدول الجهود، مع أنها قد تحفز القطاع الخاص للاستثمار في معامل معالجة النفايات. وليس ذلك بسبب قلة الدراية بأهمية الوقود البديل وبتأثيراته على خفض كلفة الإنتاج، ولا حتى بإنعكاساته الإيجابية على البيئة، وإنما بسبب نية اعتماد المحارق، حصراً، كحل لأزمة النفايات.
ويظهر الإهمال الواضح من قبل السلطة، من خلال عدم بلورة خطوات جديدة في ملف النفايات، رغم مضي "أكثر من شهرين على آخر اجتماع للجنة التنسيق في شؤون إدارة النفايات في وزارة البيئة"، وفق ما يقوله رئيس جمعية الأرض بول أبي راشد. وهذا الإهمال يضرب بعرض الحائط آراء وتوجهات وآمال جمعية الصناعيين والجامعات ونقابة المهندسين والجمعيات البيئية، وهي ممثلة في لجنة التنسيق.
ويعيد أبي راشد خلال حديث لـ"المدن"، سبب تجاهل قوى السلطة للحلول البيئية الصحيحة والتي تساعد الصناعيين، هو "ضغط مافيات المطامر والمحارق". واللافت حسب أبي راشد، هو "موافقة وزارة البيئة على إنشاء محرقتين واحدة شمال بيروت في دير عمار وواحدة جنوب بيروت في الجية أو الزهراني، بالإضافة إلى توسيع إضافي لمطمر برج حمود على حساب مرفأ الصيادين، وإعادة فتح مطمر الناعمة وغيره من المواقع التي أثبتت تجربة الشمال أنها مواقع غير مدروسة كفاية بعد مرور 15 سنة عن آخر تقييم لها".
ويستغرب أبي راشد موافقة الوزارة "في ظل تأكّدها من فعالية تجربة معمل غسطا، فضلاً عمّا تؤكده الأرقام من إنخفاض لكلفة المعامل المماثلة مقابل كلفة المحارق، ناهيك عن السرعة في إنجازها، بحيث يكلف معمل المعالجة الذي ينتج وقوداً بديلاً، نحو 10 ملايين دولار، ويصبح جاهزاً في غضون 6 أشهر. في المقابل، تكلف المحرقة الواحدة نحو 375 مليون دولار، وتحتاج لنحو 5 سنوات لتصبح جاهزة للعمل".
أزمة وطنية
لا يستبشر أبي راشد خيراً جرّاء تصرفات السلطة. كيف لا وهي التي تجاهر بتحوّل مشكلة النفايات إلى "أزمة وطنية" في حين أنها المسؤولة عنها. وهو ما عبّر عنه النائب قاسم هاشم في تغريدة على "تويتر"، رأى فيها أن موضوع معالجة النفايات "أصبح من الأزمات الوطنية التي تتطلب أولوية من الحكومة لوضع خطة ممنهجة على مرحلتين، آنية ومستدامة لنتجنب الآثار السلبية التي تصيب اللبنانيين بسبب التلوث الذي ساهم فيه إهمال الحكومات المتعاقبة". وحسب التغريدة، يبدو أن هاشم لا يدرك أن فريقه السياسي جزء من "الحكومات المتعاقبة" التي أمعنت في تعقيد أزمة النفايات.
وسلبية أبي راشد تزداد مع تجاهل السلطة "استعداد مصر لشراء طن النفايات المحوّل إلى فيول بحوالى 40 دولاراً". وكذلك تجاهلها لإمكانية استفادة معامل الكهرباء والإسمنت من الوقود البديل. وتجاهلها لحقيقة "الوصول إلى صفر نفايات بفعل معامل الوقود البديل والتسبيخ والتدوير"، لأن صفر نفايات يعني إنتفاء الحاجة إلى المحارق والمطامر.
خضر حسان - المدن