لبنان منشغل هذه الايام في ترقُّب صدور تقرير مؤسسة التصنيف الدولية "ستاندرد اند بورز" خوفاً من خفض تصنيفه من جديد، ما يؤثّر على سمعته المالية، ويضعف الثقة بأدائه المالي، ويشكك في الاجراءات التي يتخذها لخفض العجز، ومكافحة الفساد، وضبط الهدر والسرقة، علماً ان لبنان الرسمي تحرك متأخرا لمواجهة تداعيات القرار المتوقع في 23 آب الجاري، فعقد الرؤساء الثلاثة اجتماعا ماليا - اقتصاديا، اتخذوا فيه سلسلة قرارات من شأنها ان تعزز النمو الاقتصادي المتباطىء باستمرار.
وقال رئيس الوزراء سعد الحريري بعد الاجتماع الذي عُقد في 9 آب، إن من بين الخطوات التي تم الاتفاق عليها، الانتهاء من موازنة 2020 في الموعد المحدد وإعداد خطة لبدء مشروعات تبلغ قيمتها 3.3 مليارات دولار وافق عليها مجلس النواب، والتنفيذ الكامل لخطة إصلاح قطاع الكهرباء وقوانين لمكافحة التهرب الضريبي وتنظيم العطاءات العامة.
اما رئيس الجمهورية ميشال عون فأعلن اول من امس انه سيرعى "شخصياً" المسار التنفيذي لمقررات لقاء بعبدا المالي والاقتصادي لتأمين أكبر قدر من الانتاجية، خصوصا لجهة تنفيذ موازنة 2019 بوارداتها وإصلاحاتها، متوقعاً أن "يبدأ هذا المسار التنفيذي مع بداية شهر تشرين الأول بعد الانتهاء من التحضيرات الجارية في مختلف الادارات، مما يؤدي الى ارتفاع معدلات النمو وانعكاس ذلك ايجاباً على الوضعين الاقتصادي والمالي".
وموعد تشرين يعني ان ما كُتب قد كُتب، وان التداعيات، وإن محدودة، ستصيب البلد، علماً ان اي مسعى لم يكن ممكناً للحؤول دون صدور التقرير رغم الشائعات عن ضغط لبناني لتأجيل اعلانه، وهو ما يؤكد سلبيته المتوقعة.
لكن اجتماع بعبدا "المالي - الاقتصادي" ليس في معزل عن السياسة، اذ لا يمكن تطبيق اي مقررات، والتزام اي خطة، في اجواء متشنجة، وضاغطة، وفي اجواء انقسام، وتعطيل، وفي ظل سجالات لا تنتهي، منطلقة من خلفيات ظاهرها وطني، لكن حقيقتها تكشف عن مصالح خارجية تارة، وأخرى ذاتية نفعية ترتبط بالتوظيف والمشاريع والهبات والتعهدات، وثمة حسابات شخصية وحزبية وسياسية ضيقة الافق تنطلق من الماضي الاليم، ومن الحرب التي لم تطوَ صفحاتها لدى بعض العاملين على نبش القبور، واخرى طائفية مذهبية بغيضة يدّعي اصحابها انهم رواد انفتاح وتعايش، فيما هم إلغائيون، نفعيون، مذهبيون، حاقدون على ماضيهم وعلى كل الآخرين.
في مراجعة المجتمع الدولي للاداء السياسي، تتظهر حقيقة الوضع الاقتصادي السيئ الذي يشكل انعكاساً للوضع العام. فلا اقبال خارجياً على اي استثمار جديد في لبنان بوجود حفنة من السياسيين المعرقلين لكل مشروع لا ينالون فيه حصة، ولا ثقة بتعهدات لبنان الخارجية التي تسقط بالضربة القاضية من دون انتفاضة او انقلاب، بل بمجرد تغيير وزير ولو من الفريق السياسي نفسه، اذ ان الحكم في لبنان ليس استمرارية، ويحتاج المسؤولون الدوليون الى اقناع كل وزير جديد بما تعهّده سلفه باسم الحكومة اللبنانية.
مؤسسات التصنيف المالية متوافرة بكثرة، وهي تؤكد تكراراً عمق غرقنا، والجيد ان لا مؤسسات تصنيف سياسية لانها كانت ستحكم علينا بالاعدام.
غسام حجار - النهار