كانت زيارة وزيرة الداخلية والبلديات، ريا الحسن، للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الديمان، يوم الثلاثاء، خطوة "ذكيّة" وصريحة وواضحة ومباشرة. حملت الحسن ملفاتها بيدها، وعرضت على الراعي بأمّ العين القرائن والأدلة الموثقة في تقارير الأطباء الشرعيين، التي تدحض مزاعم تعرّض موقوفين من "طائفة واحدة"، أيّ الطائفة المسيحية، للتعذيب لدى شعبة المعلومات. كما قطعت الشكّ باليقين حول كيل الاتهامات العشواء ضد الشعبة والادعاء أنها تتعمّد فتح قضايا وملفات فساد ذات صلة بأفراد ينتمون للطائفة المسيحية حصراً.
"بكل شفافية"
حين خرجت من اللقاء، استطاعت الحسن أن "تردّ" على الراعي عند باب الديمان من دون أن تسميه. جاهرت بوضوحٍ رفضها القاطع، جزّ الأجهزة الأمنية في السجالات السياسية و"الطائفية". فـ"علينا أن لا نقحم الأجهزة الأمنية بأي مناكفات سياسية، لأنها تضر بسمعتهم وبسمعة لبنان. ومن الضروري أن نحيد الأجهزة الأمنية والقضائية، من قيادة الجيش، لأمن الدولة، والأمن العام، للأمن الداخلي، عن المناكفات السياسية، ويجب أن لا يتعرضوا لأي حملة لأنها تضر بنا كلبنانيين، مسلمين ومسيحيين".
أكدت الحسن استعدادها التام لتقديم كل التفاصيل "إذا كان لدى غبطته أي استفسار.. الشعبة لا تقوم بأي استهداف لأية طائفة، وانا أجزم بذلك"، و"نحن نعمل بكل شفافية وحرفية. وأتحدث عن نفسي كوزيرة للداخلية، لأن عملنا لا يصب ضد أي فئة. فقد سلمته بعض التقارير والقرائن التي تفيد أن الموقوفين لدينا لا يتعرضون لأي نوع من التعذيب والتنكيل. وكان لغبطته بعض الهواجس. فأعلنت له بأنني مستعدة في أي وقت، ليكون على بينة من كل الأمور. وشعبة المعلومات تقوم بعمليات استباقية كبيرة ونرى نتائجها على الأرض ونرى كيف أن الأمن مستتب".
شهود الزور وسوزان الحاج
بالعودة إلى التصريح "الهجومي" للبطريرك الراعي، الذي أثار لغطًا كبيرًا تزامنًا مع توقيف المقدم سوزان الحاج، المتهمة بتلفيق ملف العمالة للفنان المسرحي زياد عيتاني، على خلفية نشاط حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي يُشتبه بأنها مرتبطة بها، وهي حسابات تهاجم المدير العام لأمن الدولة اللواء عماد عثمان، كان الراعي قد اتّهم الشعبة بـ"فبركة ملفّات لأشخاص من دينٍ واحد". وأطلق صرخته حينها استنكارًا لما يُشاع عن تعذيب يُمارس في "أقبية قوى الأمن وشعبة المعلومات خلال التحقيق"، سائلًا اللواء عثمان "كيف يقبل بفبركة ملفّات لأشخاص من دين واحد ومذهبٍ واحد؟". وحينها أيضًا، ردّ عثمان متوجهًا إلى "من شهد بالزور أمام البطريرك الراعي"، مطبقًا عليه ما جاء في الكتاب المقدس: "الشاهد بالزور لا يتبرأ".
وحسب مصدرٍ متابع، فإنّ ثمّة جهة سياسية وشوشت بأذن الراعي حتّى "ينتفض" في وجه شعبة المعلومات واللواء عثمان، وحتّى تأخذ الحملة الشعبوية – العونيّة بُعدًا "دينيًا" عميقًا يُقوي شروط المواجهة مع "الشعبة". وللتذكير، فإنّ الحاج التي تربطها مع زوجها زياد حبيش علاقة متينة بالبطريرك الراعي، مكثت يوم هجوم الأخير على الشعبة نحو ثماني ساعات رهن التحقيق لدى المعلومات. وإن كان هذا المكوث الطويل في التحقيق هو حقّ مشروع قانونًا ضمن "الحرب النفسية" على المتهم/ة، إلّا أن هناك "جوًا مسيحيًا" قرأ فيه محاولةً صريحة لإذلالها والتّشفي منها، فيما هي تتلطى بطائفتها بعد "فضيحة" مسلكية كانت تستحق عليها الطرد والسجن.
الغضب المسيحي – العوني على "شعبة المعلومات"، لا يقتصر على خلفية الحاج وحسب، وإنّما يتجاوزها إلى ملفات فساد قضائية حققت بها "الشعبة"، وطالت بعض القضاة المسيحيين المحسوبين على التيّار العوني، ناهيك أنّ تحقيقاتها في ملف حادثة قبرشمون، لم تأتِ على "ذوق" تيار وزير الخارجية جبران باسيل، لجهة اعتبار أنّ ما حدث كان كمينًا إمّا لاغتياله أو لاغتيال الوزير صالح الغريب.
وزيرة استثنائية
أمام هذا الواقع، جاءت زيارة الحسن للبطريرك حتّى تضع النقاط على الحروف وجهًا لوجه، وللجم الحملات الطائفية العشواء، وحتّى تكون نوعًا من التّمني بتحييد الأجهزة الأمنيّة عن الصراعات السياسية والطائفية علنيًا وإعلاميًا. أمّا أن تصبح تصريحات "رجال الدين" في السياسة، شبيهة بعصبيات وعنتريات "حراس" الطوائف وقادتها على صفحات السوشيل ميديا، فهذا يبقى من تبعات مساوئ لبنان، الذي تحول إلى "محميات" طائفية تحكمه "قبائلها".
وفي السياق، يشير النائب السابق في "كتلة المستقبل" الدكتور مصطفى علوش لـ"المدن"، أنّ الوزيرة الحسن تثبت يومًا بعد آخر أنها "وزيرة داخلية استثنائية لكلّ لبنان". أمّا البطريرك الراعي، فـ"إمّا لديه معلومات مغلوطة، أو دخل في موجة الدفاع عن استهداف المسيحيين، وهي مغلوطة، لا سيما أنّ هناك مئات الموقوفين الإسلاميين ومن طوائف أخرى سبق أن حُكي عن تعرضهم للتعذيب أثناء التحقيقات، وفضيحة سوء معاملتهم".
لكن، هل ستقضي خطوة الحسن على الموجة الهجومية ضدّ "فرع المعلومات": "بالطبع لن تستطيع القضاء عليها بالكامل، والجدل سيبقى قائمًا، طالما أنّ تركيبة لبنان الطائفية لا تزال نفسها، طائفيًا وسياسيًا". وهي تركيبة لا تحيّد الأجهزة الأمنية، والقضائية، عن صراعاتها وحساباتها.
جنى الدهيبي - المدن