ما جاء إلى لبنان من تحالف الأقليات إلا الشر، ومن ذلك الوصايتان الفلسطينية والسورية ثم الاحتلال الإسرائيلي، واليوم يغطي هذا التحالف الميليشيات الإيرانية وسلاحها، وينبش القبور ويؤجج النعرات والغرائز، الأمر الذي يكرس التناحر ويمهد للاقتتال.
لذلك، وجب دحض الأساس النظري لهذا التحالف، والحقيقة أن لا أساس له إلا بغض اهل السنة والجماعة، وفي هذا المعنى نقض لفكرة الدولة والعروبة، فلا تجتمع الدولة مع الميليشيات في جملة واحدة فضلاً عن فكرة، ولا تجتمع العروبة مع مؤامرات الإلغاء أو خرافات المشرقية وتخرصاتها، فما ظهرت فكرة العروبة إلا لاحتضان التنوع، وكيف يحدثوننا عن المشرقية البعيدة والواسعة وهم عاجزون عن العيش مع وجود الجار القريب بمن في ذلك بعض بني جلدتهم، ومن طرائف المشرقية العرجاء أن تصل إلى روسيا من دون المرور بأفغانستان، كما أنها تلحظ وجود إيران ولا ترى باكستان.
في آب 635، فتح المسلمون بيروت/لبنان في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، وكانت أطلالاً، فرممها وحصنها بالقلاع قائد الجيش ووالي دمشق معاوية بن أبي سفيان، وحوّلها قاعدة عسكرية تصد هجمات الروم، وتنطلق منها حملات المسلمين البحرية، ولا يدري أحد لولا رؤية وقرارات عمر ومعاوية ما كان مصير لبنان.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، حين تولى معاوية مقاليد الخلافة انحاز للموارنة ضد اليعاقبة، ولولا هذا الانحياز لما كان لبعض الساسة اللبنانيين وجود. واستمر الود الأموي إزاء الموارنة، وتوصل معهم الخليفة (الوليد بن عبدالملك) إلى اتفاقية ضمنت لهم ما يمكن أن يسمى بلغة اليوم "المواطنة".
وحين نصل إلى حقبة العثمانيين نتحدث عن مرحلتين، الأولى مرحلة الدولة الجامعة، حين كانت الخلافة أو السلطنة لكل رعاياها أو مواطنيها، والثانية مرحلة الدولة التركية العنصرية، والتي تحولت فيها الدولة للترك دون غيرهم. وفي كتاب سمير قصير "تاريخ بيروت" نلمس عرفاناً ظاهراً منه للعثمانيين في مرحلتهم الأولى، وما يعنينا أن الأقلويين يريدون محاسبتنا على فظائع جمعية الاتحاد والترقي التي عانى منها العرب والسنة أكثر من غيرهم، وفوق ذلك، مطلوب محاسبتنا على خطايا تحالف الأقليات: اي مراحل ياسر عرفات وآل الأسد في لبنان.
في تاريخ السُنّة ولبنان، مثّل رفيق الحريري حقيقة أن الاعتدالات السنية واللبنانية والإسلامية متلازمة ومتسلسلة، وحين قال سعد الحريري "لبنان أولاً" صالح نهائياً بين السُنة اللبنانيين وبين مفهوم الدولة الوطنية مستكملاً نهج والده، وما أزعج الأقلويين في رفيق الحريري إلا أنه أخذ دور همزة الوصل بين الشرق والغرب، وأنه رمز انسجام لبنان مع الشرعية الدولية بالاعتدال العابر للهويات المتناغمة، وعماد كل ذلك ارتباط لبنان بمحيطه العربي الدائم والكبير، وما كانت حالة رفيق الحريري استثناء، لكن الأقلويين يتحدثون عن استقلال لبنان وبشارة الخوري، ويمطرون رياض الصلح بالاستخفاف او بالتجاهل.
أحمد عدنان - نداء الوطن