دخل حادث قبرشمون على خط الصراع الإقليمي المحتدم، فليس من عادة السفارة الأميركية ان تصدر بيانات قوية تحمل نبرة تحذيرية واضحة وحازمة، عن أحداث او تطورات داخلية مثل ما جرى في البساتين، ولكن من الواضح تماماً ان واشنطن باتت ترى في التعقيدات السياسية والقضائية والأمنية، التي نشأت عن ذلك الحادث وعطّلت الحكومة على مفترقات قاتلة إقتصادياً وحتى سياسياً للبنان، ما يرجح كل المخاوف التي سبق لوليد جنبلاط والحزب التقدمي الإشتراكي أن عبّرا عنها، من عملية إستهداف لن تتوقف عنده، بل تؤدي إستطراداً الى إستتباع لبنان نهائياً الى الحلف الإيراني - السوري، عبر محاولة تفتيت أهم قوى ما تبقى من تيار ١٤ آذار والتيار الإستقلالي السيادي المعروف!
ومن الواضح ان واشنطن مقتنعة بأن المسار التعقيدي الذي سلكته تطورات حادث قبرشمون، وما تبعه من إتهامات وإتهامات مضادة، إنما جاء على الإيقاع الذي إتخذه "حزب الله" منذ البداية وإصراره على المجلس العدلي، بما سيشكل ادانة سياسية لجنبلاط، لا لأنه قال إن مزارع شبعا ليست لبنانية الى ان يقرّ السوريون خطياً بهذا فحسب، بل المطلوب ايضاً وضع جماعة ١٤ آذار في الإذعان، والدليل ان هذا يأتي موازياً للخلاف المتصاعد مع الرئيس سعد المريري و"تيار المستقبل" حول الدستور والدعوة الى جلسات مجلس الوزراء ووضع جدول اعمالها!
التوقيت الذي صدر فيه بيان السفارة له معناه الأعمق والأهم، لأنه جاء مباشرة عقب الهجوم القوي الذي شنه الحزب الإشتراكي على العهد، ومن سماهم "وزراء البلاط"، وإتهامه بممارسة الضغوط على القضاء لفبركة تحقيقات وروايات جديدة لحادث قبرشمون تساعد على كسر جنبلاط أو زجه في السجن على ما وصل اليه النائب ماريو عون من "التيار الوطني الحر"!
وهكذا عندما يقول بيان السفارة إن واشنطن تدعم المراجع القضائية العادلة والشفافة من دون أي تدخل سياسي، وإن أي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي في قبرشمون بهدف تعزيز أهداف سياسية يجب رفضها، وان الولايات المتحدة دعت بوضوح السلطات اللبنانية الى التعامل مع الأمر بطريقة تحقق العدالة من دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية، فهذا يعني بوضوح شديد أنها تقف عند مخاوف جنبلاط من تحويل الأمر مكاسرة سياسية تستهدفه!
مفهوم ان يستبق عون بيان السفارة بالقول "إن لبنان لا يخضع لإملاءات أحد ولا يؤثر عليه أحد"، ذلك ان السفيرة الأميركية كانت قابلت باسيل قبل صدور البيان، لكن كل ذلك يزيد تعقيد الأزمة، التي تأخذ شكل كباش أميركي - إيراني في قبرشمون، خصوصاً ان واشنطن ترى ان عون يقف الى جانب "حزب الله" وجماعة ٨ آذار، وهو ما قد يؤدي الى إستتباع لبنان السياسات الإيرانية!
الى أين من هنا؟
الى مزيد من التعقيد الذي قد يفجّر لبنان أو على الأقل يضعه في رأس قائمة الدول المفلسة!
راجح الخوري - النهار