ان منهج الحكم، سواء رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء، غير مطمئن الى السير بالاصلاحات وسنبين ذلك في عرض عدد من المواقف سواء بالنسبة الى التعيينات الهامة أو الى قرارات تبني خطة الكهرباء.
بالنسبة الى التعيينات، من المعروف ان المصرف المركزي كان ولا يزال الركن الاساسي في تحقيق توازن بين حاجات الاقتراض وضبط التحويلات غير المستوجبة والحفاظ على سعر صرف الليرة، وتخصيص مقدار من القدرات المالية والادارية لانقاذ أربعة مصارف لا تتجاوز موجودات أي منها ما يعادل ثلاثة مليارات دولار وتعزيز الدعم المالي بانتقاء مصرف لبنان عدداً من الخبراء لتولي عضوية مجالس ادارة المصارف المعنية.
وحديثاً ظهرت بوادر حاجة مصرف الى تسوية أوضاعه وتتجاوز ميزانيته أربعة مليارات دولار وادارته اسوأ من ادارة المصارف الاربعة المشار اليها والتي أحرزت ثلاثة منها تقدمًا ملحوظًا بفضل مساندة مصرف لبنان.
ان مسؤولية مصرف لبنان في ضبط شؤون المصارف والحفاظ على حقوق المودعين كانت السبب الاساسي لتعويض جميع المودعين في مصارف اندمجت وأخرى شطبت وقد حل مصرف لبنان محل مؤسسة ضمان الودائع التي تضبط حقوق المودعين حتى مبلغ ضئيل نسبيًا، وبالفعل عوض مصرف لبنان المودعين في بنك المدينة ما يزيد عن المليار دولار، وحصل كل مودع شرعي، أي ان أمواله توافرت من أعماله ومدخراته لا من السطو السياسي في تاريخه وكانت هذه كبرى عمليات الانقاذ.
تبدو الظروف الاقتصادية حاليًا أصعب مما كانت قبل ثماني و10 سنين، والحاجة الى إجراءات وقرارات للمجلس المركزي في مصرف لبنان والتي تستوجب تصويت أربعة أعضاء من سبعة في المجلس.
ترهّل الادارة الحكومية وتغاضيها عن مخاطر عدم انعقاد المجلس المركزي تسبب بهما عجز أصحاب المصالح من السياسيين عن اختيار أربعة أعضاء لنيابة الحاكم، وثمة توافق على ثلاثة منهم، وتنافس على اختيار نائب الحاكم الدرزي، علمًا بان نائب الحاكم الدرزي حتى نيسان 2019 كان يتمتع بمستوى اكاديمي واخلاقي ندر ان يتوافر لدى اللبنانيين. وعليه اذا اراد الوزراء ورئيس الجمهورية تفادي أخطار تفكك هيكلية المصرف المركزي وابقاء الوضع معلقًا على تسمية خبير أو آخر، يمكن وصف هذه المنهجية باللامسوؤلية وعدم الادراك في الشؤون المالية، وبالتأكيد اهمال الاجراءات المطلوبة من الدول التي ارتبطت بمساعدة لبنان، ولا شك في ان الرئيس الفرنسي الذي مارس أعمال التمويل من مصرف عريق في فرنسا وأوروبا، لن يوافق على توفير أي مساعدات ما دامت قضية نواب الحاكم معلقة، وما دامت خطة الكهرباء المقررة غير مقنعة ولن توقف عجز الطاقة.
على صعيد آخر ليس أقل أهمية، انتهت فترة عضوية مجلس الخبراء الطاقويين منذ فترة غير قصيرة، وهؤلاء ينحصر دورهم بتوفير فإن المشورة لا غير، ومع ذلك فإن المشورة قد تكون مفيدة لوزراء الطاقة خصوصاً اذا توافرت من ذوي اختصاص وخبرة.
ان عضوية هذا المجلس افترض ان تخصص بذوي خبرات ومعارف علمية، ولا شك في ان ثلاثة من الاعضاء يتمتعون بخبرات، ولدى احدهم خبرة عملية في شؤون النفط والغاز منذ 25 سنة ويزيد مع شركة دولية، وفي المقابل هنالك ثلاثة اعضاء لا خبرة لهم في شؤون النفط. وعلى سبيل المثال، أحدهم وهو محام انجز بضع دراسات باللغة العربية، فهو لا يتقن الانكليزية، اللغة الضرورية لتقويم خبراء الشركات المعنية اهميته، والنتيجة ان تقاريره ترسل الى مكتب للترجمة في لندن لترجمتها وتكاليف الترجمة كبيرة. ويذكر أن التقارير المنجزة بدائية لان الرجل لا يعلم عن شؤون الطاقة ما يؤدي الى وضع نصوص قانونية مفيدة للعمل.
جميع اعضاء الهيئة مستمرون في عملهم بعد انقضاء الفترة القانونية، ومستمرون في تحصيل رواتبهم ونفقات اسفارهم في مهمات، وكل ذلك يحصل دون مناقشة وزيرة الطاقة في هذا الموضوع، ولنقل بوضوح دون تحرك الوزير باسيل لضبط ايقاع المهمات ضمن القوانين المرعية.
الوزير باسيل يعتبر ان في وسعه تمديد مهمات الهيئة من دون الرجوع الى مجلس الوزراء، كما يعتبر ان في وسعه التأثير على قرارات اعضاء من الهيئة لان بينهم ثلاثة اعضاء من غير ذوي الاختصاص، وهم يستمعون اليه كما تفعل وزيرة الطاقة ولا يراجعون المستوجبات القانونية.
عندما تأسست الهيئة قبل ست سنوات، افترض ان عملها الخاص التمهيد لوضع شروط عقود التنقيب والتصدير، والالتزامات المالية للشركات المعنية ونسب التعاقد مع الطاقات الشبابية اللبنانية يمكن انجازها خلال سنتين، وان العقود يمكن توقيعها عام 2015 وكان التأخير على مستوى ثلاث سنوات. وستحفر البئر الأولى في المنطقة رقم 4 وسيبدأ العمل في التنقيب بعد ستة أشهر، اما المنطقة رقم 9 والتي تطالب اسرائيل بحصة من انتاجها، فلن تجرى اعمال التنقيب في مياهها قبل حزيران 2020. وهيهات ان نكتشف النفط والغاز وننجز المنشئات الضرورية للانتاج خلال سبع الى ثماني سنوات يكون خلالها الدين العام قد تآكل مصادر الدخل من النفط والغاز سنة 2026-2027.
يبقى ان مهمات نواب الحاكم أكثر الحاحًا وان على الوزير باسيل التقيد بالقوانين في ما يخص هيئة الاشراف على شؤون النفط.
مروان اسكتندر - النهار