ما من مؤشرات تفيد باحتمال إيجاد حلّ قريب للأزمة السياسية اللبنانية المفتوحة والآخذة بالتشعب. فرئيس الجمهورية مصرّ على موقفه، وفق ما تشير مصادر متابعة، تفيد أنه يتمسك بالقضاء للفصل في حادثة قبرشمون، والتي يرى الرئيس أن وليد جنبلاط يريد تحويلها إلى مشكلة سياسية، بينما عون يصرّ على إبقائها قضائية.
تنصل حزب الله
أما الحزب الاشتراكي فيرى أن الرئيس عون يختبئ خلف الدولة ومؤسساتها، ومن ضمنها القضائية، لتصفية حسابات سياسية مع جنبلاط. وهذا ما يؤكده حجم تدخله في القضاء وسواه من الأجهزة الحكومية. وحسبما تنقل المصادر السياسية المتابعة، سيستمر عون في التصعيد ضد جنبلاط، معتبراً ما جرى استهدافاً لصهره الوزير جبران باسيل. وهو في موقفه هذا يتلقى الدعم من حزب الله، ومن النائب طلال أرسلان. وهذا يعني أن التصعيد مستمر، خصوصاً أن التراجع غير وارد لدى الاشتراكي، الذي يرى أن الحلّ لن يكون إلا سياسياً، وبلقاء جنبلاطي مباشر مع حزب الله.
لكن حزب الله يلتزم الصمت، متنصلاً من المعركة الدائرة، ومن أن يكون على علاقة بوقفها والسعي في حلها، فيما هو يقف خلف حلفائه وإلى جانبهم، ويعمل على دعمهم. لكنّه من وجه آخر يحرص على الهدوء والاستقرار وعمل مجلس الوزراء.
استنكاف بري
الاشتراكي في المقابل، على قناعة بأنه لولا توفير الحزب الغطاء لحلفائه، لما استمروا في تصعيدهم، وكان يمكنه لجمهم والعمل على إيجاد مخرج للأزمة وحل لها، وخصوصاً أن الرئيس نبيه بري اضطلع بمبادرة، قبل إطفائه محركاتها، بعد التصعيد العوني الأخير. وقد أبدى بري استغرابه، تعليقاً على تحويل القضية من استهداف الوزير صالح الغريب، إلى استهداف الوزير جبران باسيل.
مأزق الحريري
يبدو حزب الله موقناً أن التسوية الرئاسية صامدة، على الرغم من تعرضها للكثير من الاهتزازات. وهذه أيضاً قناعة عون، الذي يعلم أن الحريري غير قادر على الخروج من التسوية إياها، وأن استقالته أو أي خطأ في حساباته سيؤديان إلى خروجه من السلطة، وعدم عودته إلى رئاسة الحكومة.
وفي ضوء هذا التعقيد، ثمة سؤال لا يقدر أحد على الإجابة عليه حتّى الآن: هل كل ما يجري من تصعيد متصل بخيوط إقليمية ودولية، أم هو محليّ فقط؟
أقنعة وتحولات
ثمة من يطرح تساؤلات حول تحرك وليد جنبلاط، معتبراً أنه يذكر بمرحلة العام 2004 و2005، على الرغم من اختلاف الظروف. وفي هذا السياق يعتبر حزب الله أن جنبلاط أراد أن يدخل معه في سجال، فلم يستجب له، فلجأ في ما بعد إلى الدخول في معركة مع رئيس الجمهورية، لتضخيم حملته الاعتراضية.
وثمة من يرى أن موقف عون، وتحويله المعركة إلى درزية - مارونية، قد خدم وليد جنبلاط، وأظهر أنه يتعرض فعلاً إلى محاولة تطويق وتصفية حسابات سياسية. ولكن باستخدام الدولة اللبنانية فيها هذه المرة. فيما بعض القوى يريد لجنبلاط أن يكون في مواجهة الدولة وليس في مواجهة أي طرف أو حزب. وفي هذا السياق، تكشف معلومات متابعة، عن اتصالات جرت بمسؤولين في التيار الوطني الحرّ لحملهم على عدم الرد على مؤتمر الاشتراكي الصحافي الأخير، ورمي الكرة إلى ملعب القضاء والمؤسسات، لأن سوى ذلك يؤدي إلى إسداء الكثير من الخدمات إلى جنبلاط.
ثبات جنبلاط
هذا النوع من الكلام الذي يدور في الكواليس، يشير إلى خطورة ما يجري وجديته، لكنه ينطوي على حسابات سياسية مختلفة، وخصوصاً أن جنبلاط ليس في وارد التراجع، ولا تقديم أي تنازل، فيما يعمل خصومه إلى إعادة تعويم منطق إبقاء الإشكال في الساحة الدرزية وحدها، أي بين الحزب الإشتراكي والحزب الديمقراطي. وهذا ما يرى آخرون أن أوانه فات، بعد موقف رئيس الجمهورية الذي أدخل منطق قوى الثامن من آذار في دوامة من التناقضات.
فالق دولي – أقليمي؟
وصلت المسألة إلى حال من الهوان والعبث التي يصعب استشراف آفاقها المقبلة، فكيف يمكن الخروج من هذه الأزمة، في ظل التفاهمات الإقليمية والدولية على الاستقرار في لبنان، والتسليم بإمساك حزب الله بمفاصل الأمور، ما الذي يدفع الأمور إلى المزيد من التصعيد؟
قد تكون الورقة اللبنانية تستخدم - بناءً على عدم المبادرة إلى معالجة الأزمة الراهنة وحلها، وتركها تتصاعد وتنمو ككرة الثلج - في سياق تبادل الرسائل الإقليمية والدولية، طالما أن الحلقات متصلة في ما بينها. وبالتالي يكون للأزمة وجوهها اللبنانية العميقة، وتبقى على فالق إقليمي ودولي، لأن ما يجري يصل إلى حدود المغامرة بكل شيء.
منير الربيع - المدن