أعود الى السؤال الذي طرحته على المسؤولين في هذا البلد المتعوس الأسبوع الماضي: فعلاً ماذا ينقصكم بعد، هيا الى المتاريس، هيا الى السلاح، تعرفون جيداً كيف تبنون المتاريس وتطلقون النار، لنموت ويحيا لبنان أوليس كذلك؟
لقد جرف القرف هذا الشعب الغبي الساكت واليائس، وهو يتأملكم في متاريسكم السياسية والدستورية، فعلى الأقل أعطوه بعض التنويع، عودوا الى الحرب الأهلية، هل تصدّقون ان الكثيرين صاروا يترحمون على أيام الحرب الأهلية، خصوصاً بعدما بدا كل شيء في البلد معطلاً ومقفلاً وصارت الدولة حلبة ملاكمة بين المسؤولين، وصلاحيات القضائيين، وتقاطع حدود الأمنيين، والإداريين القائمين على جيوبهم وثروة العيال، وليس من حَكَمٍ وسط هذه الفوضى العارمة سوى ذلك الانتحاري، عباس ابرهيم الراكض "من بيت شقّو لبيت لقّو" كما يقول المثل، ولكن عبثاً!
ثمانية اشهر لتشكيل "حكومة الى العمل" التي دُفعت دفعاً ولحسابات خارجية لها طبعاً مقاولوها المُعَطّلون داخلياً، وسرعان ما إكتشفنا انها حكومة تعطيل العمل، وربما دفن البلد تحت تراب الإفلاس الراكض. ثلاثة أشهر من المقارعات حول الموازنة العالقة في قبرشمون، وخمسة أسابيع والحكومة لا تجتمع لأنها هي أيضاً أدخلت الى قبرشمون، ولم يبقَ سوى ان نقيم لها تشييعاً مهيباً، بنصب المتاريس والعودة الى الحرب الأهلية!
لست أدري لماذا لم يصل اليأس بعد الى عظات سيدنا البطريرك الراعي، والصلوات لا تقيم الموتى، فها هو للمرة المليون يدعو المسؤولين السياسيين الى "ان يعودوا الى الدستور والميثاق الوطني بنصيهما والروح، وان يتحلّوا بالروح الذي يبني كي يسلم الحكم ويستقيم، والذي يحتاج الى روح يبني، لا الى نفوذ شخصي يهدم، ولا الى مصالح فردية وفئوية وحزبية تقسّم وتتقاسم الحصص"!
ولكن من أين وكيف وقد وصل المسؤولون كما نقول الى شجار ومشادات حول صلاحيات المحاكم والسلطات الدستورية، وكلنا يعرف ان الثالوث القدوس، لن يتمكن بوجود الشياطين، من ان يجد تفسيراً يقنع الجميع بما يقوله الدستور على رغم وضوحه والتفاهم عليه بعد الحرب الأهلية، التي تكاد ان تنعاد لشدة ما تُذكر هذه الأيام البائسة، خصوصاً ان سيبويه ونفطويه بُعثا حيين للنبش في كل فاصلة من هذا الدستور وإعطائها تفسيراً واللغة العربية حمالة وجوه وتفسيرات!
ليس من الضروي التوقف أمام التصريحات والتغريدات لكي نعرف ان مجموعة واسعة من أعضاء الأوركسترا صارت تعزف على الإيقاع الواصل من الخارج، سواء بالنسبة الى الدستور والصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، أم بالنسبة الى العدل ومؤسساته محاكم ومجلساً تنام في أدراجه قضايا، لكن هناك من يخشى ان يُوحى اليه بما يتصل بالسياسة أكثر من العدل!
ما أكثر النكات المبكية هذه الأيام، فها هو صديقي نقولا نحاس يقول إنه "ليس مسموحاً ان يتحدث أحد المسؤولين الذين يملكون مركزاً مهماً في السلطة بشيء يفرق اللبنانيين" لكأن جَمعَ اللبنانيين من هموم هؤلاء المسؤولين، وها هو الأمير طلال أرسلان يقول إنه "لا يجوز لأحد مهما علا شأنه تعطيل البلاد"، في حين أن من الواضح والمعلوم من هو القادر الذي يعطّل البلاد.
لقد جعلتم مجلس الوزراء حلبة ملاكمة وردهة بورصة، فلا تجعلوه الآن ممسحة لحسابات سياسية عابرة للحدود، يمكنكم إشعال الحرب الأهلية لنمزق الدستور ونكتبه بتوزيع جديد للسلطة… مفهوم؟
راجح الخوري - النهار