اجتمع وزراء خارجية مصر والاردن والعراق في بغداد في الساعات الاخيرة على نحو أعاد الى الاذهان اجتماعا سابقا للوزراء الثلاثة في القاهرة قبل بضعة أشهر، تردد من بين أهدافه استيعاب العراق واعادة فتح الابواب امامه للعودة الى الحضن العربي واقامة علاقات قوية مع الدول العربية بما يضعف التأثير الإيراني الموغل في القرار العراقي. إلا أن مصادر ديبلوماسية تخشى في الواقع أن تكون المنطقة خسرت العراق لمصلحة إيران الى حد كبير على وقع سلسلة تطورات قد تصعب العودة عنها سياسيا وواقعيا. فمن جهة، إن اضطرار رئيس الوزراء العراقي الى استيعاب الميليسشيات العراقية ومنها الكثير ممن ابتكره الحرس الثوري الايراني من ضمن قوات الجيش العراقي لا تجعل قوات هذا الجيش أكثر مسؤولية، بل ربما أكثر تشرذما. يضاف الى ذلك وجود عوامل اضافية تتصل بصعوبة او استحالة العيش بالنسبة الى العراقيين من غير الطائفة الشيعية، على رغم الجهود التي تبذل في هذا المجال، وهذا يشمل السنة العراقيين والمسيحيين وسواهم، كما ان الفساد مستشر بقوة لا مثيل لها بحيث يمانع وزراء في الحكومة عن التجاوب ازاء الاستفادة من مقدرات العراق في النفط واستغلالا له من أجل تحقيق صفقات جانبية، مما يترك العراق دولة فاشلة الى حد بعيد ويولّد انطباعا ان العراق قد تمت خسارته فعلا كدولة قادرة على ان تكون فاعلة ومنتجة وكافية لمواطنيها. أضف الى ذلك أن عدم انهيار العراق في الوقت الحاضر يرتبط الى حد كبير بأسعار برميل النفط، بحيث ان اي تعديل يطرأ عليه قد يتسبب بمزيد من الانهيار العراقي الذي قد يستحضر او يستدرج تدخلات متعددة من دول المنطقة. وتستحضر المصادر المعنية نموذج العراق على سبيل المقارنة مع لبنان، على خلفية أن انتقاله من أزمة الى أزمة تتخذ واجهات داخلية في حال لم تكن كلها كذلك، تظهره اكثر كدولة فاشلة غير قابلة للاصلاح وتغرق في ازمات صغيرة مفتعلة تحت وطأة التجاذبات الاقليمية او الصراعات المحلية. ويثار هذا الانطباع على خلفية ان لبنان مشابه للعراق من حيث الكباش الايراني- الاميركي فيه، في ظل السعي الى استيعابه من ضمن ما يسمّى محور "الممانعة" الذي قد ينتهي الى مصير مشابه الى حد كبير، مع اقتناع عواصم ومسؤولين بأن "حزب الله" يسيطر على قرار الدولة اللبنانية ويتحكم فيها، حتى لو ان مستوى الصراع على المكاسب والصفقات والنفوذ الانتخابي او السياسي مختلف على الارض. يضاف الى ذلك أن التحديات التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة على صعيد المخاطر الاقتصادية والمالية ضخمة جدا، تجعل بعض الدول التي ترغب في مساعدته تفقد صبرها وثقتها بوجوب المساعدة فعلا، ما دام المسؤولون يتصرفون من دون مسؤولية ويشكون أداء او واقعا هم في موقع السؤال عنه لا أحد آخر. فلا أحد ينكر أن كل دول العالم تشهد أزمات سياسية وصراعات نفوذ تعوق أي إنجاز على أي مستوى كان لمرحلة او لفترة من الوقت، لكن المسألة في لبنان وصراع المصالح الشخصية والطموحات التي لا تنتهي فضلا عن تداخل الاعتبارات المحلية بالاقليمية باتت تدفع الى اليأس فعلا من جهود ضائعة. فتسأل هذه المصادر أين اهتمام لبنان مثلا من استطلاع ومواكبة الجولة الجديدة لمستشار الرئيس الاميركي جاريد كوشنير في المنطقة تمهيدا على ما يبدو لاعلان الشق السياسي من خطته للموضوع الفلسطيني الاسرائيلي الذي تخشى المصادر المعنية ان تشهد ترجمة فعلية لها على رغم اقتناع واسع في المنطقة ان هذا المسار غير قابل للحياة والترجمة العملانية. فالانتخابات الاسرائيلية المقبلة باتت قريبة والاعلان الاميركي قد يكون وشيكا فيما ان لبنان المعني بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي وانعكاساته يسهل المسؤولون في لبنان من حيث الخلافات العميقة في ما بينهم وتحويلها احيانا الى المستويات الطائفية وصراعا على السلطة ان يغدو لبنان او يبقى كما يعتبر البعض ساحة يمكن ان تدفع الاثمان لما يجري من تسويات في المنطقة ايا تكن طبيعتها. وما جرى بالنسبة الى الاجراءات في موضوع عمل الفلسطينيين في لبنان اظهر بقوة هذا الامر علما ان التطورات على هذا الملف لم تستحوذ على اهتمام المسؤولين الغارقين في حادثة البساتين وتجميد الزمن اللبناني عندها بهدف السعي الى كسر نفوذ افرقاء سياسيين او تدجينهم بحيث يسعون بدلا من ذلك الى موقف موحد يفرض ارادة الدولة او قراراتها ايا تكن هذه القرارات. البعض يسأل اذا كانت التطورات السورية التي ادت اخيرا الى تهجير اكثر من 440 الف سوري من ادلب في اتجاه مناطق اخرى ساهم في افشال القدرة على اي انجاز ايضا في موضوع ضرورة عودة النازحين السوريين الذي كان اساسيا في الخطاب اليومي لبعض المسؤولين وحتمية تحييد الانظار عن الفشل على هذا الصعيد يترجم نفسه في صراع داخلي يشكله التوظيف الذي حصل ولا يزال لموضوع حادثة البساتين حتى لو انتقل "المكمن" من استهداف الوزير صالح الغريب والذي استغرق توظيفه السياسي شهرا وانخرط فيه الامين العام ل" حزب الله" السيد حسن نصرالله باطلالتين اعلاميتين له وقوفا الى جانب النائب طلال ارسلان قبل ان يعلن رئيس الجمهورية ان الغريب لم يكن مستهدفا بل كانت الاوامر بالسماح بالمرور له وحده دون سواه. وهو امر يستغربه الديبلوماسيون كون المخاوف متعاظمة بقوة من " انهيار" مالي يبذل حاكم المصرف المركزي جهودا من اجل دحضه فيما انتقلت حادثة البساتين الى مرحلة جديدة من التوظيف السياسي على وقع انتشار عميم للفساد.
روزانا بومنصف - النهاء