توحّدت الفصائل والقوى الفلسطينية في مخيّم عين الحلوة، بمواجهة أحد أبرز الذين عبثوا، اغتيالاً وقتلاً بدمٍ باردٍ، ذهب ضحيّته عشرات الأبرياء، وعاث فساداً، وبثَّ رُعباً بأمن المخيّم، الإسلامي المُتشدِّد بلال العرقوب (موالد 1967)، ومجموعته من أبنائه وعدد من المُسلّحين، فأُردي قتيلاً فجر أمس (الأحد)، فيما تمَّ توقيف نجليه يوسف وأسامة، وجرى تسليمهما إلى مخابرات الجيش اللبناني.
تَوَحُّد الفصائل والقوى ولجان الأحياء، أعطى ثمارَهُ بعد رفع الغطاء عن بلال العرقوب، الذي لم يجد مَنْ يتجرّأ على تأمين ملاذٍ آمنٍ له، بعدما نشر الفساد والظلم بحق الأبرياء، وآخرهم الشاب المظلوم حسين جمال علاء الدين «الخميني»، لتُسجِّل دماؤه البريئة، أنّها المرّة الأولى في المخيّم، التي يتم فيها الاقتصاص بقتل الجاني، قبل أنْ يُوارى جثمان الضحية الثرى، بعدما جمع برّاد «مستشفى الهمشري» جثمانَي المظلوم حسين والقاتل بلال في صورة تحمل الكثير من الدلالات والعِبَر!.
شارك في العملية الأمنية المُحدّدة الهدف، إلى جانب «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني»، «عصبة الأنصار الإسلامية»، «الحركة الإسلامية المُجاهدة»، شباب من حي المنشية وأقارب وأصدقاء الضحية حسين، بغطاء من «هيئة العمل الوطني المُشترك».
وحدة الفصائل والقوى
فمثلما توحَّدَتْ الفصائل والقوى في الحراك المطلبي السلمي لإقرار حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد إجراءات وزارة العمل، والذي جاء اغتيال بلال العرقوب وولده يوسف للشاب حسين، بعد مُشاركته في «جمعة الغضب» الثالثة، ليُوقِف الحراك المطلبي خلال اليومين الماضيين.
وظهر بلال العرقوب في أشرطة فيديو جرى تداولها، وهو يُمارس مع نجله يوسف القتل والإجرام بإطلاق النار مرّات عِدّة، باتجاه الشاب البريء حسين، في منطقة الرأس الأحمر، وهو ما كان قد مارسه ومجموعته باغتيال في وضح النهار، ضد العشرات من أبناء المخيّم خلال السنوات الماضية، حيث أصبح أكثر إجراماً، والذي تدرّب عليه خلال انتمائه إلى حركة «فتح - المجلس الثوري»، في تسعينيات القرن الماضي، واستخدم رصاص غدرها في تصفية العشرات، من كوادر حركة «فتح» في لبنان، قبل أنْ ينتقل إلى «القوى الإسلامية»، ومن ثم تشكيل مجموعة لوحده، سطع نجمها الإجرامي، مع قريبه الإسلامي المُتشدِّد بلال بدر، والسيطرة على «حي الطيري»، في الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة، قبل أنْ تتمكّن «قوّات الأمن الوطني» من السيطرة عليه ودحرهما عنه.
سقوط «ورقة التوت»
ولأنّه لا يُمكِن في كُل مرّة أنْ تسلم الجرّة، فإنّ اغتيال حسين علاء الدين كان «ورقة التوت» التي أسقطت كل الحسابات، ورفعت الغطاء بشكل عملاني، وليس إعلامياً، من قِبل الفصائل والقوى كافة، وحتى مجموعات «الشباب المُسلِم» والمُتشدّدين إسلامياً، انطلاقاً من أنّ:
- مَنْ سيقوم بتوفير الحماية ودعمه ومُساندته، سيُصنَّف في الخانة ذاتها، ويُعرّى، وليس كما حصل في مرّات سابقة، بمدّه بالمُسلّحين والعتاد والأموال، وحتى وجبات الطعام الجاهزة الساخنة!
- تخوُّف بعض المجموعات الإسلامية من أنْ يطالها المصير ذاته، لأنّ القرار الذي اتُّخِذَ هو منع تمادي بلال العرقوب بإجرامه، وما يُدلِّل على ذلك أنّ رقعة الاشتباكات، بقيت محصورة في «حي الرأس الأحمر»، ومن ثم في «حي المنشية»، دون اتساعها إلى باقي أحياء ومناطق المخيّم.
- حسين علاء الدين، إبن عائلة عريقة في المخيّم، وبلدته صفورية من كبرى البلدات، وعائلته وأبناء البلدة ينتمون إلى حركة «فتح» و»عصبة الأنصار الإسلامية» والعديد من الفصائل والقوى، وفي هكذا حالة تُصبِح المُشاركة العائلية مُتجاوزةً الانتماء التنظيمي.
- خشية الشباب في «حي المنشية»، الذي فرّ إليه بلال العرقوب وأبناؤه، من تعرّضه للدمار خلال المواجهات، بعدما ألحق الدمار بـ»حي الطيري» مرّات عدّة، وكذلك «حي الرأس الأحمر»، الذي كان قد التجأ إليه.
- المُشاركة الكثيفة من «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» مع «الحركة الإسلامية المُجاهدة» و»عصبة الأنصار الإسلامية»، وهي المرّة الأولى التي تشاركان فيها مع «قوّات الأمن الوطني» بعملية أمنية مُسلّحة داخل مخيّم عين الحلوة، باستهداف مَنْ تظلّلوا زوراً، بشعارات إسلامية واهية، وهو ما يُعتبر تطوّراً هامّاً في أدائهما، بالتعامل مع مثل هكذا «حالات شاذّة»، خاصة أنّ بداية الإشكال كانت بين نجل بلال العرقوب، يوسف، وشقيق حسين علاء الدين، خالد، المنتمي إلى «عصبة الأنصار»، منذ أشهر عدّة، واعتدى بلال على الشاب البريء حسين.
- رسالة فلسطينية، تم التأكيد من خلالها على عدم إفساح المجال بالقتل العمد، والاغتيال بقرارات شخصية لحسابات داخلية، أو أجندات خارجية، حظيت بإجماع فلسطيني، والتزام بتوقيف المطلوبين وتسليمهم إلى الجهات الأمنية اللبنانية، إثباتاً بتقيّد الفلسطينيين بالقانون المعمول به على الأراضي اللبنانية.
اجتماع... فعملية عسكرية
بعد اغتيال حسين علاء الدين، وتحديد الجُناة بأنّهم بلال العرقوب وأولاده، عُقِدَ اجتماع في منزل المسؤول في «عصبة الأنصار الإسلامية» الشيخ أبو طارق السعدي، شارك فيه: أمير «الحركة الإسلامية المُجاهِدة» الشيخ جمال خطاب، قائد «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» في لبنان اللواء أبو عرب، أمير سر منطقة صيدا لحركة «فتح» وفصائل «منظّمة التحرير الفلسطينية» العميد ماهر شبايطة، قائد «قوّات الأمن الوطني» في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي، العميد أحمد النصر والعقيد أبو نادر العسوس، وذلك قبل بدء الهجوم على المُربّع الذي تحصن فيه بلال العرقوب وأولاده.
انطلقت العملية العسكرية، بمشاركة «قوّات الأمن الوطني»، «عصبة الأنصار» و»الحركة الإسلامية المُجاهِدة»، حيث أمكن تحرير المبنى، الذي كان قد احتلّه بلال العرقوب، والعائد إلى أبو سمير بركة في «حي الرأس الأحمر»، بعدما فرَّ بلال وأولاده.
وبعد تحديد مكان لجوء بلال العرقوب، إلى أحد المباني في «حي المنشية» في المخيّم، انطلقت العملية الأمنية منتصف ليل أمس الأول، وجرى تطويق المنزل، الذي تحصَّن فيه مع أبنائه، من قِبل «قوّات الأمن الوطني»، «عصبة الأنصار»، «الحركة الإسلامية المُجاهِدة» وشباب من «حي المنشية».
خاضت المجموعة اشتباكات عنيفة مع بلال العرقوب وأولاده، استُخدِمَتْ فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الرشّاشة، ما أدّى إلى مقتل بلال، واعتقال نجليه يوسف وأسامة، اللذين جرى تسليمهما من قِبل «القوّة المشتركة الفلسطينية»، إلى مخابرات الجيش اللبناني، عند حاجز الحسبة على المدخل الغربي لمخيّم عين الحلوة.
نهاية مجرم... وزفّة شهيد
وإثر الإعلان عن مقتل بلال العرقوب واعتقال نجليه، سُمِعَ إطلاق نار غزير في المخيّم ابتهاجاً، فيما توجّهت الحشود إلى منزل والد الضحية حسين علاء الدين، جمال في حي صفورية، وسط المخيّم حيث أُطلِقَتْ الزغاريد ابتهاجاً بالاقتصاص من القاتل.
ونُقِلَتْ جثّة القتيل بلال إلى برّاد «مستشفى الهمشري» - المية ومية - صيدا، الذي كان قد نُقِلَ إليه جثمان الضحية حسين، في مشهد توقّف عنده الكثيرون!
وأمس، زُفَّ جثمان الشهيد المظلوم حسين علاء الدين بعرسٍ وحدة فلسطيني، شارك فيه الآلاف من أبناء المخيّم ومن كافة القوى.
وبعد الصلاة على الجثمان في «مسجد خالد بن الوليد»، انطلق موكب التشييع برسالة وحدةٍ وتحدٍّ مُخترِقاً شوارع المخيّم، بما في ذلك الشارع الفوقاني، وتحديداً حيي «الصفصاف» و»الرأس الأحمر»، حيث اغتيل الشاب حسين، باتجاه مقبرة الشهداء في درب السيم، حيث ووري جثمانه الثرى.
وأكد والد الشهيد جمال علاء الدين أنّ «المُصاب جلل»، داعياً الجميع إلى «عدم إطلاق النار كرامةً للشهيد «أبو حسن»، ولأبناء المخيّم والجوار، وليشهد الجميع بأنّ وحدة أبناء المخيّم باستشهاد حسين أصبحت أقوى وأمتن».
وشدّد على أنّنا «مُستمرّون في الحراك الذي بدأه أهلنا في المخيّم، وكان يُشارك به حسين بكل فعالياته، حيث توحّدت صفوفنا وكلماتنا، حتى لا ينجح المُتآمرون بأهدافهم، لإنهاء انتفاضتنا الشعبية بوجه القرارات التي تستهدف التضييق على شعبنا».
بيان تهنئة
وعلى الأثر، أصدرت فصائل «منظّمة التحرير الفلسطينية» و»اللجان الشعبية» في منطقة صور، بياناً هنّأت «أبناء شعبنا الفلسطيني البطل، وجميع أهلنا في مخيّم عين الحلوة بمقتل المجرم الإرهابي بلال العرقوب، الذي طغى في إجرامه ضد الأبرياء من أبناء شعبنا المناضل».
وأشار البيان إلى أنّه «نحن في منطقة صور، وبعد أنْ تبلّغنا نيّة أهل القتيل المُجرِم بدفنه في مخيّم الرشيدية، يهمّنا أنْ نوضح أنّ هناك رفضاً شعبياً وفصائليّاً لدفن هذا المُجرم في مقبرة الشهداء في مخيّم الرشيدية، ولا تراجع عن هذا الرفض تحت أي ظرف من الظروف»، موضحاً أنّه «تمَّ تبليغ قيادة الجيش اللبناني في منطقة صور برفض إدخال جثة القتيل إلى أي مخيّم من مخيّمات صور».
وأوضح البيان أنّ «عائلة العرقوب غادرت مخيّم الرشيدية في العام 1973، إبان أوّل عدوان إسرائيلي على المخيّم، ولا يحق له الدفن في مقابر المخيّم»، مُشدّداً على أنّه «احتراماً لحرمة شهدائنا وأبناء شعبنا، لا يصح أنْ يُدفن هذا القاتل المُجرم إلى جانب خيرة أبناء شعبنا البطل، الذين ضحّوا بأرواحهم للدفاع عن هذا الشعب العظيم».
وختم البيان: «أخيراً، وإلى روح الشهيد حسين جمال علاء الدين «الخميني»، وأرواح شهداء الغدر الذين استشهدوا على أيدي هذا المجرم وغيره من العصابات المأجورة، نقول: العهد هو العهد، والقسم هو القسم، ولا مكان للمُجرمين في مقابر المُناضلين».
هيثم زعتير - اللواء