على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر منصّات المحادثة الفورية، بدأ قبل ساعات تداول جداول إحصائية للأعداد الديموغرافية للبنانيين بين العام 1932 (تاريخ آخر إحصاء رسمي لبناني) والعام 2018، والتعليق على تدني أعداد المسيحيين إلى ثلث عدد اللبنانيين، بينما يبلغ عدد المسلمين الثلثين، حسب هذه الجداول غير البريئة من الأجواء الطائفية المسمومة السائدة في البلاد، وإمعاناً في نشر سمومها على نطاق أوسع.
وأشاع البعض أنّ حزب الله يقف خلف بث هذه الجداول وشيوعها، بغية تحويلها إلى حملة على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الخلافات السياسية الحالية. لكن في متابعة "المدن" لمصدر هذه الإحصاءات تبيّن أنها تأتي ضمن سلسلة من الإحصاءات التي تجريها الدوليّة للمعلومات كما أكّد الباحث فيها محمد شمس الدين. ولفت الأخير في حديث لـ"المدن" أن ليس هناك أي جهة حزبية طلبت إجراء هذا الإحصاء ولا خلفيات سياسية له، بل أتى في معرض الأبحاث الدورية التي تجريها المؤسسة، والتي سبقتها إحصاءات اجتماعية تناول بعضها الزواج والطلاق على سبيل المثال. وتستتبع الدولية للمعلومات هذه الأبحاث التاريخية بأخرى حول الاقتصاد اللبناني في عهود رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على لبنان.
حدثت هذه البلبلة حول "العدد" بعد كلمة وزير الخارجية جبران باسيل الجمعة في زحلة، وحديثه عن أن رئيس الجمهورية لن يوافق على بند الموازنة العامة المتعلق بحفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، لأسباب غياب التوازن الطائفي عن أعداد هولاء الناجحين، أي ضآلة عدد المسيحيين بينهم، مقارنة بالمسلمين.
والبلد يعيش على إيقاع تعبئة طائفية يومية مشحونة متواصلة، صارت لحم الحياة والعلاقات السياسية وشحمها في كل شاردة وواردة. فلا خبر سياسياً أو مالياً أو إدارياً أو أمنياً أو بيئياً... يخلو من السموم الطائفية، حتى وصلت الأمور أخيراً إلى نبش سجلات النفوس والأعداد الديموغرافية.
فبعض القوى السياسية يقتصر برنامجها السياسي وينغلق، منذ وصولها إلى السلطة، على مسألة واحدة ووحيدة: التحريض الطائفي الشعبوي المتواصل، بمفعول رجعي، لاستعادة حقوق طائفية سليبة. وهي تعيش هاجس خوف دائم على الحقوق والأعداد الديموغرافية ودور الطوائف والخلل الديموغرافي. وعلى هذا الأساس يتواتر التحريض الممنهج على السوريين والفلسطينيين بذريعة التوطين.
لكن الإحصاءات التي تظهر تفوّق المسلمين العددي على المسيحيين، ليست بجديدة. وجميع الإحصاءات التي تصدرها مراكز الأبحاث عن أعداد الناخبين تثبت هذه الأرقام التي يفترض أنّ اللبنانيين ألقوها وراء ظهورهم منذ انتهاء الحرب الأهلية، فيما تردد القوى السياسية دائماً بأن العودة إلى زمن العدّ قد ولّى.
وليد حسين - المدن