ما يحدث في لبنان في إدارة الحكم، سياسة وسلوكاً، غير طبيعي. هي أيام شبيهة بكانون 2011 حين تم الغدر بسعد الحريري وتم إسقاط حكومته لحظة دخوله "البيت الأبيض". بل ربما أسوأ من ذلك. الانقسام يتعمق ويتسع، ورفض روحية التسوية تهيمن على الممارسة والقول. الثارات تسبق المنفعة، والضغائن تقتل التفاهم، والنكايات الشخصية قبل المصلحة العامة. كأن هذا سمة مميزة ليوميات السياسة اللبنانية في هذا العهد العوني.
مجريات الأحداث، قبل رصاصات قبر شمون وبعدها، تقول أن شخصيات بمواصفات ميشال عون أو بشار الأسد أو حسن نصرالله ليس من السهل أن تشطب حساباتها مع خصومها مهما مرّ الزمن.
بهذا المعنى، تعتبر مصادر متابعةً ان سلوك رئيس الجمهورية، ميشال عون، تبدو وكأن الرجل يتصرف كقوة معارضة، وليس كحاكم حريص على العهد، في سلوكه المتشدد الذي يبدو عليه، سواء في ملف إحالة حادثة قبر شمون إلى المجلس العدلي، أو في استحقاق التوقيع على الموازنة.
خوف برّي
في موضوع حادثة الجبل (قبر شمون – البساتين) وما يتصل بها من انقسامات سياسية راسخة ومديدة، تعتبر المصادر أن عون لا يبدو حريصاً على عهده، بقدر ما هو متمسك بـ"معاركه" وانحيازاته ومطالبه، على الرغم من موقف الحريري الواضح أمامه بأن المجلس العدلي لن يمر، ولا يمكن طرحه على التصويت، لأن ذلك سيؤسس لانقسام حكومي عميق. بينما عون بقي عنيداً في موقفه. ما يعني أنه يرفض مبادرة جنبلاط كلياً، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر، فيما الرئيس نبيه بري أبدى تخوفه وقلقه مما يجري.
اذ عبّر برّي أمام زواره أن هذه المبادرة، لربما كانت الفرصة الأخيرة لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، وطالما تم رفضها، فهذا أمر لا يطمئن. مؤكداً انه سيستمر بالاتصالات بحثاً عن تهدئة.
طعن الموازنة
ولكن المشكلة لم تعد مقتصرة على الخلاف حول المجلس العدلي، إذ أن الحريري استشف من عون أنه لن يوقع على الموازنة، الأمر الذي يُعدّ انقلاباً صريحاً وواضحاً على الحكومة ومجلس النواب. وهذا أمر سيؤدي إلى إشكال كبير في البلد يطال أسس التسوية. والأخطر أن يتجه عون إلى الطعن بالموازنة. هذه فكرة تخوف منها كثيرون مساء الخميس.
إصرار الحريري على الثلاثاء
وحسب ما تشير المصادر، فإن الحريري خرج من اجتماعه مع عون غاضباً، وقد عبر أمام بعض الذين تواصلوا معه عن غضبه وامتعاضه مما يجري. وكأنه هو فقط يتحمل مسؤولية البلد، بينما الآخرون لا يعنيهم سوى تحقيق ما يريدونه من مصالح لهم ولحلفائهم. انزعاج الحريري دفعه للتأكيد على اصراره لتوجيه دعوة للحكومة للانعقاد يوم الثلاثاء المقبل، على أن يوجه الدعوة في الأيام المقبلة، بعد إجرائه سلسلة اتصالات. ولكن الحريري والفريق المتفق معه يعتبر أن الكرة أصبحت في ملعب عون. بينما هناك من يشير إلى ضرورة اللجوء إلى حزب الله.. لعلّه يتدخل لتسهيل الأمر، وترتيبه تسوية مع حلفائه، خصوصاً أن الكثيرين لديهم القناعة أن لا عون ولا ارسلان يمكنهم الاستمرار بهذا التصلّب في موقفهم منة دون دعم حزب الله، الذي ليس من مصلحته أن لا يوقع عون على الموازنة الأولى التي صوت الحزب لصالحها.
ما سيقرره نصرالله
لذا، لا بد من انتظار ما سيقرره حزب الله. والصورة ستتضح أكثر بعد الإطلالة المرتقبة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، مساء الجمعة، فربما قد يُفهم من فحوى كلامه وجهة الأمور، خلافاً أو تسوية.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة ومطلعة على دوائر قرار حزب الله، إن ما يهم الحزب في هذه المرحلة بالتحديد هو الهدوء والاستقرار أولاً، أي غياب التوتر السياسي والحفاظ على التسوية والستاتيكو. وثانياً، ما يهم حزب الله هو إعادة تفعيل عمل الحكومة لمواكبة كل الاستحقاقات، في ضوء العقوبات التي ربما تضاف إليها بنود وأسماء وهيئات جديدة قريباً، تطال مؤسسات مالية وتجارية على علاقة بالحزب. وهذا ما يفرض على الحكومة الاجتماع للبحث في كيفية التعامل مع هذه العقوبات، خصوصاً أن واحداً من أدوار الحكومة وعملها توفير مظلة وغطاء للحزب في ظل التصعيد الاقليمي.
وخيارات حزب الله ليست سهلة، فهو وإن دعم حلفاءه في خيار المجلس العدلي، لكنه يتجنب حالياً فرضه وفق منطق الكسر، لأن ذلك يطيح بالنقطتين السابقتين بما لا يتطابق مع مصلحة الحزب رهناً. وعليه، تبقى الكرة في ملعب الحزب وحلفائه. فهل يفتح نصر الله منافذ الحل في إطلالته مساء الجمعة؟
منير الربيع - المدن