ما عجزت إسرائيل عن تدميره في حروبها على جنوب لبنان وأثناء احتلالها لقراه، تقوم به الدولة اللبنانية، تحديداً في وادي زبقين، الذي لا تزال أوراق تصنيفه كمحمية في أدراج وزارة البيئة، رغم مضي ثلاث سنوات على تقديمها من قبل بلدية زبقين.
قضية وادي زبقين ليست جديدة، بدأت مع مشروع أقرّه وزير الأشغال السابق غازي زعيتر، ويقضي بشق وتعبيد طريق يربط قرية رامية بقرية العزّية، بناء على طلب من رئيس بلدية سابق لبيت ليف، بحجة اختصار المسافة بين بلدات قضاءي بنت جبيل وصور. لكن لهذا المشروع خطورة كبيرة لما سيخلفه من دمار وأضرار بيئية وتشويه للطبيعة. إذ من المفترض أن يشق الطريق عمق وادي زبقين بما يتطلب ذلك اقتلاع عدد هائل من الأشجار المعمرة في قلب منطقة حرجية، على نحو يغيّر المعالم الجغرافية.
والأسوأ أن هذا المشروع سيخل بتوازن النظام البيئي، وسيدمر مخططه مسار السيول التي تجري في قعر الوادي وتغمره بعرض 12- 20 متراً وبعمق يزيد عن 30 متراً. إذ يشكل الوادي نظاماً بيئياً متكاملاً عبر توافر عناصر وخصائص عدة فيهن تتجلى بوجود أنواع عديدة ونادرة من الأشجار والحيوانات البرية بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الطيور. ويكتمل النظام البيئي الخاص بالوادي بانتشار العديد من الينابيع والأنهار بالإضافة إلى وجود الكهوف والمغاور فيه. إذ تتشعب أحراج وادي زبقين- العزية، وتمتد إلى داخل منطقة صور وبنت جبيل على مساحة تقدر بأكثر من 20 كيلومتراً مربعاً تصل حتى حدود فلسطين المحتلة.
حائط مسدود
الأعمال التي شُرعت منذ عام ونصف عام، ترافقت مع موجة اعتراضات أدت إلى توقيف الأعمال، قبل أن تعود إلى الواجهة منذ قرابة الشهرين. فقد عادت أعمال الحفر والجرف في طريق ترابية تقع بين رامية ومزرعة الصالحاني، مرفقة بإنشاء حيطان دعم على جانب الطريق وأعمال تزفيت. وامتدت الورشة في اتجاه عين التينة لناحية زبقين، عبر جرف وتوسيع الطريق الوعرة نحو أسفل الوادي، ليُستكمل المسار نحو العزّية.
ووفقاً للمهندس إيلي لوقان المشرف على المشروع من قبل شركة دنش، "فأن الأعمال ستجري على قسمين، الأول من رامية وصولاً إلى حدود زبقين، التي لا اعتراضات تطالها. فيما القسم الثاني سينتظر استكمال ميزانية المشروع المرصودة له من قبل وزارة الأشغال، إضافة إلى حل مشكلة الاعتراضات من قبل بلدية زبقين والناشطين والجمعيات البيئية". ولدى سؤال "المدن" للمهندس لوقا عن الجدوى من شق طريق قد تصل إلى حائط مسدود، يقول أن "المستفيد هم أصحاب الأراضي في رامية والصالحاني حيث جرى فتح الطريق إلى أراضيهم، من أجل البناء بها أو استصلاحها زراعياً"!
فكيف يمكن لمنطقة مصنفة حرجية أن تجري بها أعمال بناء وزراعة، بدلاً من المحافظة على طبيعتها وخصائصها الإيكولوجية (البيئية)؟
11 مليار ليرة
يؤكد رئيس جمعية الجنوبيون الخضر، هشام يونس، في حديثه لـ"المدن"، أن أشغال الجرف التي وقعت في أراضي الصالحاني العقارية، والتي قضت على مساحات من المناطق الحرجية، تُعد غير قانونية لعدم استيفائها الشروط القانونيةـ والتي نصت عليها القوانين والأحكام المتعلقة بالمشاريع ذات الأثر البيئي، وذلك لناحية عدم تقديم المتعهد دراسة تقييم الأثر البيئي قبل المباشرة بالأشغال. وهذه مخالفة صريحة لأحكام الباب الرابع من قانون حماية البيئة 444 تاريخ 29 تموز 2002، ومواد مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي رقم 8633 تاريخ 7 آب 2012.
والتخوف الفعلي متأتٍ من الإصرار على شق الطريق رغم كل الاعتراضات. وهو ما يعيده يونس إلى معلومات متوافرة لديهم عن شراء إحدى الشخصيات النافذة عدداً كبيراً من العقارات في الوادي، بغية تنفيذ عدد من المشاريع فيها. وهذا ما يتناقله العديد من أبناء بلدة زبقين. فيما التسويق لشق الطريق يبقى مجرد حجة قائمة على توفير دقائق على أهل بعض القرى في مواصلاتهم، لا تتجاوز العشرين دقيقة. والتخوف الأكبر، هو في الكلفة البيئية والصحية والاقتصادية المتأتية من تدمير الوادي، واستباحته أمام الكسارات والمكبات العشوائية، التي اجتاحت أطرف الوادي، ومن المتوقع وصولها إلى أعماقه، إذا استمرت الحال هكذا.
ويستغرب رئيس بلدية زبقين، علي بزيغ، مضي وزارة الأشغال بتنفيذ المشروعن على الرغم من اعتراض بلدية زبقين، حيث تقع المساحة الأكبر من الوادي في أراضيها. لافتاً، إلى أن الوزارة لم تقم بدراسة ميدانية سابقة بيئية أو عقارية أو قانونية، ولا عملت على استحصال موافقة أصحابها والتعويض عليهم. فمشروع الطريق سيمر في 28 عقاراً يملكها أهالي زبقين. ويؤكد بزيع أن البلدية ستعمد إلى قطع طريق الوادي بالجرافات، في حال تقدمت الأشغال عند حدود زبقين العقارية في الوادي، مشيراً إلى أن الوزارة التي رصدت مبلغ 11 مليار ليرة لبنانية لتنفيذ المشروع استفادت من موافقة بلدية رامية وحسب، فشرعت في تنفيذ الأشغال في الاتجاه المعاكس، أي من رامية نزولاً نحو زبقين وصولاً إلى العزية، لتحاول الإيحاء بأن الطريق أصبح أمراً واقعاً. ويؤكد بزيع، بأن وزير الشباب والرياضة محمد فنيش يتابع ملف وادي زبقين تمهيداً لإعلانه محمية من قبل وزارة البيئة، إلا أن الإجراءات الروتينية تأخذ مسارها القانوني. وقد اكتفت كل من بلدية زبقين وجمعية الجنبيون الخضر حتى الآن بتقديم إخبار لوزارة الأشغال، اعتراضاً على الأعمال في الوادي.
الاعتراضات في الهواء
الضغط الإعلامي لبلدية زبقين والجمعيات البيئية، لم يُترجم بتحرك فعلي على الأرض، لمواجهة "المشروع التخريبي لوادي زبقين"، رغم الدعوة إلى اعتصام في البلدة الأحد 21 تموز، لم يحضره سوى ستة معتصمين، وسط غياب لافت لأهالي البلدة وأعضاء المجلس البلدي، باستثناء رئيس البلدية.
فهل سيتمكن ستة أشخاص من الوقوف بوجه الأشغال؟ يقول أحد الناشطين في البلدة أن الاحتجاجات هي "استعراض في الهواء وشعارات إعلامية". فالضغط الفعلي يمكن أن يقوم به نواب المنطقة، قائلاً بحسرة واستهزاء: "الجنوب له خصوصية. وما من أحد يتحرك في المنطقة لولا غطاء فعلي من حركة أمل وحزب الله، هم يكتفون بالاعتراض الكلامي، فيما تحت الطاولة تُمرر الأوراق والحسابات الأخرى".
صفاء عياد - المدن