بين الانقسام الحاد في الساحة الدرزية، وخطورة ألعاب الدم، ولعبة المزايدات في الساحة المسيحية حول ملف عمل الفلسطينيين، تقبع حكومة الرئيس سعد الحريري في موت سريري، بعد ثلاثة أسابيع من التعطيل، وغياب حلول في الأفق
يمرّ الأسبوع الثالث، وأزمة تعطيل حكومة الرئيس سعد الحريري على خلفية حادثة البساتين، من شدّة إلى شدّة. يوم أمس تأكد الحريري من صعوبة عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، وتعثرت المبادرة التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمخارج المتعدّدة التي وضعها، مع التعنّت الذي يبديه الطرفان، مؤيّدو إحالة القضية على المجلس العدلي، ومعارضوها. وأوصلت تعقيدات الأيام الماضية بعض المعنيين إلى قناعة «بصعوبة حلّ الأزمة قريباً»، وأن «السقوف العالية باتت تفرض نهايات يكون فيها غالب ومغلوب».
هذا العجز الحكومي والفشل السياسي في إعادة عجلة العمل إلى مجلس الوزراء، في ظلّ المخاطر المتراكمة والتطورات الإقليمية، تصاحبه رعونة سياسية بدأها حزب القوات اللبنانية بتفجير ملف عمل الفلسطينيين، ليكملها أمس وزير الخارجية جبران باسيل بموقف تصعيدي، يخدم زيادة التأزيم والدفع نحو تصاعد التحركات الشعبية في المخيمات الفلسطينية.
في الأيام الماضية، تطوّرت مواقف الفرقاء لتصبح أكثر تشدّداً من ذي قبل. مع الحديث عن مخارج بديلة للمجلس العدلي، كرّر رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، الربط بين عدم إقرار المجلس العدلي وحدوث ردود فعل من قبل أهالي الضحيتين في الساحة الدرزية، وما اعتبره «دفع الدروز إلى لعبة الثأر وإغراق الجبل في فتنة دموية»، مع تمسّكه بالمجلس العدلي خياراً وحيداً، وأنه خيار سياسي وليس قضائياً. وهذا الجو المتوتر في الخطاب السياسي، ينعكس تشنّجاً في القرى الدرزية، بين الجنبلاطيين والأرسلانيين، في أجواء لم يشهدها الجبل منذ التوترات الأمنية والسياسية التي تلت الانسحاب السوري من لبنان. موقف أرسلان، وإصراره والوزير صالح الغريب على طرح الأمر في أي جلسة مقبلة لمجلس الوزراء، ووقوف حزب الله خلف مطلب حليفه كما أكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ضيّع آمال الحريري في عقد جلسة هذا الأسبوع. وهو الذي سرّب قبل يومين نيّته الدعوة إلى جلسة، ما إن علم بخبر تحويل المدعي العام التمييزي بالإنابة القاضي عماد قبلان ملفّ القضية إلى المحكمة العسكرية، لاعتقاده أنّ قرار قبلان جاء نتيجة الجهود التي يبذلها إبراهيم. وفيما رأى الحريري أن الرئيس ميشال عون يفرض أمراً واقعاً بعد تبنّيه طرح الرئيس نبيه بري بمخرج المحكمة العسكرية، أراد الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء، لكن رئيس الجمهورية، بحسب المعلومات، عاد إلى خيار المجلس العدلي، بعد الليونة التي أبداها في نهاية الأسبوع الماضي.
وقالت مصادر متابعة لمبادرة إبراهيم إن «رئيس الجمهورية لم يتراجع مرّةً عن مطلب المجلس العدلي، لكنّه حاول فتح ثُغَر في المواقف المتعنتة، ووجد أن أحداً لا يريد التراجع».
أما النائب السابق وليد جنبلاط، فبات يتعامل مع قضية المجلس العدلي من خلفية أنه «جزء من الحصار السياسي والأمني المفروض عليه». غير أن جنبلاط ذهب بعيداً في التصعيد أمس، مع تلويح الوزير وائل أبو فاعور برفض خيار المحكمة العسكرية. وهذا الموقف جاء بعد اجتماع لجنبلاط مع نوابه ومساعديه، وخلص المجتمعون إلى أن «المحكمة العسكرية ستكون أداةً لإدانة الحزب التقدمي الاشتراكي وبديلاً من المجلس العدلي، وهي واقعة تحت سيطرة قضاة ينتمون إلى التيار الوطني الحرّ وفريق 8 آذار». يستمر جنبلاط في حملاته التحريضية للسفارات الغربية والعربية، مروجاً لـ«ضرورة دعمه ودعم الحريري للصمود بوجه حملات حزب الله».
وأبدى بري أمام زواره أمس انزعاجاً كبيراً من تعطل جلسات الحكومة، مؤكّداً أنه «يجب اجتماع مجلس الوزراء خلال أسبوع». وسأل رئيس المجلس: «تعطلت الحكومة ثلاثة أسابيع، فماذا استفدنا؟ أنا تحركت ولم أتوقف عن الحركة، لكن ثمة أموراً ضرورية للبحث فيها وبتّها في مجلس الوزراء، مثل الموضوع الفلسطيني الخطير للغاية وموضوعي التعيينات ومؤتمر سيدر، إضافة إلى الحاجة لبدء درس موازنة عام 2020 كي تصل إلى مجلس النواب في الموعد الدستوري المحدد. وزير المال أنجز الموازنة، ويفترض من الآن أن تُناقَش في مجلس الوزراء». وأضاف أنه «منذ اللحظة الأولى بعد حادثة قبرشمون أكدت ثلاثية المعالجة السياسية والأمنية والقضائية. أقول إن المصالحة السياسية ضرورية للغاية، ويجب العمل من أجلها». ورأى أن «إحالة الحادثة على المحكمة العسكرية أمر طبيعي، لكن موضوع المجلس العدلي يعود إلى مجلس الوزراء. إذا لم يكن هناك اتفاق على المعالجة، فلا مانع من أن ينعقد مجلس الوزراء ويترك هذا الموضوع إلى حين التوافق عليه».
وَصْفُ بري موضوع العمالة الفلسطينية بالخطير، تزامن مع تصريح لباسيل، العائد من الولايات المتحدة الأميركية أمس، من خارج الإجماع بين الحريري وبري وحزب الله على معالجة الملفّ بهدوء في مجلس الوزراء، في ظلّ غياب أي موقف علني لرئيس الجمهورية حيال الأمر، منذ الأسبوع الماضي. باسيل أعلن دعمه لما يسمّيه «تطبيق القانون» الذي يتذرّع به وزير العمل كميل بو سليمان، متجاهلاً الثُّغَر القانونية والحاجة إلى إصدار مراسيم تطبيقية لمعالجة هذا الملفّ. ووصل به الأمر إلى المزايدة على حزب القوات والغمز من قناة إمكانية تراجع بو سليمان عن حملاته، في ضوء الاتصالات السياسية. ومما لا شكّ فيه، أن تصريح باسيل الذي يضيف تعقيدات إلى الأزمة المفتعلة من حزب القوات، يصبّ في سياق المزايدة المندلعة بين الطرفين في الشارع المسيحي عبر خلق عداوات مجانية ومراكمة العصبيات ضد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في البلاد.
ومثل باسيل، يغرق رئيس القوات سمير جعجع في لعبة تجييش الشارع المسيحي في الملفّ الفلسطيني، لعجزه عن استخدام الملفّ السوري كما يفعل باسيل. إذ علمت «الأخبار» أن بو سليمان، فيما كان قد وصل إلى طريق مسدود بعد قرار الحريري وضع الملفّ في عهدة الحكومة، وبدأ بالتجاوب مع المعنيين، عاد أخيراً، بدفع من جعجع، إلى نغمة ربط إجازة العمل للفلسطينيين بعقد العمل، ما يعيد الأزمة إلى المربع الأول.
وتهدّد تصريحات باسيل وبو سليمان التصعيدية، الخطوات التي تبذلها الفصائل وبري ومخابرات الجيش وإبراهيم لضبط التحركات الشعبية الفلسطينية في المخيمات، التي استمرت يوم أمس خصوصاً في مخيمات صيدا والجنوب. مصادر فلسطينية معنية أكّدت لـ«الأخبار»، أنه ما دام الملفّ يحتاج إلى انعقاد الحكومة المكبّلة حالياً بالخلاف على ملف البساتين، فإن مسار العمل يتركّز الآن على ثلاثة مستويات: «العمل مع الجميع، لبنانيين وفلسطينيين، عبر لجنة الحوار والاتصالات السياسية للوصول إلى صيغة مناسبة لمراسيم تطبيقية تنظم عمل الفلسطينيين وتحلّ الأزمة، العمل على ضبط إيقاع التحركات مع استمرارها وعدم الخروج عن أي مظهر سلمي وحضاري (مصادر لبنانية وفلسطينية أكّدت سعي بعض الجماعات الإرهابية إلى استغلال التحركات للتحريض على الجيش اللبناني وإحداث إشكالات)، وثالثاً تركيز العمل في المرحلة المقبلة على تنظيم نشاطات لبنانية ــ فلسطينية مشتركة».
المصدر: الأخبار