حمى الفوائد وجنونها يخيف جمعيّة المصارف

حمى الفوائد وجنونها يخيف جمعيّة المصارف
حمى الفوائد وجنونها يخيف جمعيّة المصارف

حصلت "المدن" على تعميم أصدره مجلس إدارة جمعية المصارف، يكشف أنّ حمى ارتفاع أسعار الفوائد على الودائع في المصارف قد بلغ حد إقلاق راحة جمعيّة المصارف، التي خصصت لهذه الغاية اجتماعاً استثنائياً لمجلس إدارتها، أصدرت إثره تعميمها الأكثر صراحة حتّى اليوم، للتحذير من استمرار هذه الظاهرة.

التعميم الذي حمل رقم 298/2019 اعتبر أن منحى كلفة الودائع يذهب إلى ارتفاع غير مبرّر، محذّراً من أثر هذا الارتفاع لجهة تراجع ربحيّة المصارف وتسجيل القطاع خسائر، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية على تمويل الاقتصاد. الجمعيّة ذهبت باتجاه إلقاء اللوم على مجموعة صغيرة من المصارف غير الملتزمة، التي "تعرّض القطاع بأكمله لمخاطر، البلد بغنى عنها"، متمنيةً عليها "الالتزام، تفادياً لإجراءات قد يعتمدها المجلس لاحقاً"، من دون أن يوضح التعميم طبيعة هذه الإجراءات.

الجمعيّة تلوم المخالفين
ويبدو من الواضح أن التعميم يركّز على مخالفة عدد من المصارف لمجموعة من التفاهمات السابقة، التي جرت برعاية الجمعية، والتي تمحورت حول وضع سقوف محدّدة للفوائد الممنوحة على الودائع بالدولار والليرة اللبنانيّة، وتفادي إطلاق العنان لتنافس المصارف على الودائع، عبر منح الفوائد المرتفعة في ظل أزمة السيولة. ولذلك ذهبت توصيات التعميم باتجاه إعادة التذكير بهذه التفاهمات بشكل صريح، حين دعى إلى "الالتزام بعدم قبول ودائع مسحوبة من مصارف أخرى، تفادياً لارتفاع غير مبرر في بنية الفوائد".

وفي إشارة إلى سقوف الفوائد المتفق عليها، طالب التعميم "بالاستمرار في التزام السقوف المتفق عليها كحدود قصوى، مع ضرورة تخفيضها ما أمكن للتحكم بالكلفة مستقبلاً".

وبشكل غير مباشر، لمّحت الجمعيّة إلى وجود مخالفات لشروط الاستفادة من بعض أشكال الهندسات الماليّة مؤخراً، والتي تنص على ضرورة استقدام الأموال التي يتم توظيفها في هذه الهندسات من الخارج. فالتعميم أعاد التذكير "بعدم السماح للودائع المسحوبة من المصارف المحليّة بالاستفادة من المنتوجات الماليّة المعروضة في السوق"، مبقياً إياها خارج إطار "الاتفاق الودائع الكبيرة (خمسة ملايين دولار وما فوق) وذات الآجال الطويلة (ثلاثة سنوات وأكثر) والآتية مبالغها من الخارج".

أزمة أسواق لا أزمة مخالفات
ما تلومه الجمعيّة في التعميم لجهة التنافس على الودائع، وتحاول أن توصي بالأبتعاد عنه، ليس سوى آليّات عمل الأسواق الطبيعيّة. فسعي المودعين إلى الفائدة الأفضل في السوق، ونقل الودائع باتجاه المصرف الذي يمنح العائد الأعلى، لطالما كان القاعدة المعمول بها، سواء في لبنان أو الخارج، وفق شروط العرض والطلب. وبينما يمر لبنان بأزمة سيولة واضحة المعالم، يصبح سعي المصارف إلى التسابق على الودائع التي تشح مسألة متوقّعة وطبيعيّة جدّاً. ولذلك، تكمن الغرابة الحقيقيّة في صدمة الجمعيّة من فشل التفاهمات السابقة على وضع سقوف لمعدلات الفوائد، خصوصاً في ظل هذه الظروف التي تجعل من رفع الفوائد مسألة حتميّة.

ومن ناحية أخرى، يذهب التعميم إلى إعادة التشديد على الالتزام بشروط الاستفادة من الهندسات الماليّة، وفي ذلك اعتراف ضمني باستفادة ودائع محليّة من الهندسات الأخيرة بما يخالف شروطها، وهو ما أثّر بشكل كبير على بنية الفوائد في السوق المحليّة، بفضل ارتفاع عوائد هذه الهندسات. لكنّ توصية التعميم بالتزام هذه الشروط تبدو غير واقعيّة، مع إمكانيّة سحب أي وديعة إلى الخارج في أي وقت، كمقدّمة لتوظيفها في هذه الهندسات لاحقاً. وهكذا، وبينما تشكّل الهندسات نفسها أحد أسباب الارتفاع في فوائد السوق المحلّي، يتجاهل تعميم الجمعيّة هذه المسألة ويحصر المسألة بالمخالفات.

بمعزل عن تعميم الجمعيّة نفسه، يبدو أنّ مسألة ارتفاع الفوائد مستمرّة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن أسبابها تكمن في قوانين العرض والطلب، وظروف السوق المحلّي، الذي يعاني من قسوة التحويلات الماليّة إلى الخارج. وبالتالي، من غير المتوقّع أن تنجح مختلف أشكال التفاهمات، التي تحاول تحدّي المنطق وفرض سقوف غير طبيعيّة على معدّلات الفوائد، خصوصاً إذا كانت الهندسات الماليّة تساهم بدورها برفع هذه المعدّلات.

علي نور - المدن

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى