بشكل مفاجئ، أعلن الرئيس سعد الحريري أمام الصحافيين وأمام بعض النواب، عن نيته الدعوة لجلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل. بالتأكيد، كلمته لافتة ومهمة في هذا الوضع، حين كل المؤشرات تفيد بعدم عقد أي جلسة طالما استمرّ التشنج والانقسام على خلفية إصرار الحزب الديمقراطي اللبناني على إحالة ملف حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
لم يكن الحريري ليعلن عن جلسة للحكومة الأسبوع المقبل، لو لم يكن لديه علم بأجواء إيجابية تفيد بحل لهذه القضية.
اقتراحات متعددة
وحسب ما تكشف معلومات "المدن"، فإنه بعد ضغوط كثيرة وتصعيد في المواقف، لا سيما بعد اتخاذ المسألة طابع الخلاف الشخصي بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ما فاقم بالتوتر والتصعيد بالمواقف، عمل جنبلاط إطفاء فتيل الحزازات الشخصية، وعلى إدانة أي تعرّض بشكل شخصي إلى نصر الله، مصراً على مبدأ الاحترام والاختلاف ضمن سياق الاختلاف السياسي المشروع.
وبالعودة إلى المبادرات المتعددة التي تم طرحها، وقبل موقف أمين عام حزب الله القاسي تجاه جنبلاط، مساء الجمعة الفائت، كان قد تقدّم العاملون في الوساطة بمبادرة تنص على تشكيل لجنة من مختلف الأجهزة الأمنية، تتولى هي التحقيقات حادثة الجبل، بدلاً من اقتصار عمل التحقيق على شعبة المعلومات، بعد تشكيك من قبل الحزب الديمقراطي بعمل الشعبة. الأمر الذي رفضه جنبلاط بشكل قاطع، وفق مبدأ عدم تكريس هذه السابقة، والتي ستؤدي إلى تنافس أو اختلافات بين الأجهزة الأمنية. كما أن الرئيس سعد الحريري لن يرضى بذلك، وهذا يمكن أن يؤسس لسوابق خطيرة في البلد.
على إثر سقوط هذا المسعى، تصاعدت المواقف من قبل الحزب ومن قبل الديمقراطي اللبناني، خصوصاً بعد معلومات جرى التداول فيها عن زيارة أجريت إلى دمشق لتهنئة اللواء علي مملوك، الأمر الذي فسّر لبنانياً بأنه الدافع وراء التصعيد. بعد أقل من 24 ساعة على كلام نصر الله تجاه رئيس التقدمي، جاء ردّ جنبلاط قاسياً أيضاً، بينما استمرت الاتصالات غير المباشرة لتهدئة الأجواء بين الطرفين. لكن رسالة جنبلاط تضمنت عدم استعداده للتنازل بأي شكل، وأنه تنازل سلفاً بما فيه الكفاية. وعلى الآخرين أن يقدموا التنازل ويلتزموا بالقانون ويسهلوا عمل التحقيق.
التنسيق الثلاثي
جرى اللقاء بين الحريري وجنبلاط. وتم خلاله التوافق على التنسيق في كل مسار القضية. وكان الحريري واضحاً لناحية وقوفه إلى جانب جنبلاط، رافضاً عقد جلسة مجلس وزراء وطرح القضية على التصويت، على الرغم من أنه بأحسن الأحوال لو أحيل الملف إلى التصويت، فهو لن يحظى بأكثرية. إذ أن الانقسام واضح وهو 15 وزيراً مع الإحالة، و15 ضد الإحالة، بعدما طلب أمين عام حزب الله من سليمان فرنجية مكارمته في هذا الأمر. وبالتالي، وعلى الرغم من سير فرنجية في مطلب إحالة الملف إلى المجلس العدلي، لن يحظى بالأكثرية اللازمة لذلك.
وبالتالي، تكرست قناعة أن لا إحالة على المجلس العدلي، فيما كان الحريري على موقفه الثابت، وغير مستعد للتنازل أو لترك وليد جنبلاط وحيداً. بعدها تحرك جنبلاط باتجاه الرئيس نبيه برّي، معلناً انفتاحه على كل الحلول، ولكن بشرط أن يتعاون الحزب "الديموقراطي" مع التحقيق، وليكف عن التصعيد أو التعنت. وبتكتيكه هذا، لجأ جنبلاط إلى خطوة ذكية أحرجت "الديموقراطي"، عبر الموقف الذي أطلقه عند الرئيس نبيه بري، وأساسه عدم التراجع، والموافقة على كل المبادرات التي من شأنها حلّ القضية. فاشترط تسليم المطلوبين من قبل الحزب الديموقراطي، وأن يتم التحقيق معهم ليحدد التحقيق مسار القضية، حتى لو كان هناك إصرار على إحالة الملف إلى المجلس العدلي، فيمكن أن يتم الإقرار بالإحالة بعد إنتهاء التحقيقات، والتداول بالأمر بين الرؤساء ومختلف القوى، على أن يطرح لاحقاً على جلسة الحكومة. فإذا كان لا بد من إحالته فليكن ذلك بالتوافق.
فحوى المبادرة
أحرجت خطوة جنبلاط خصومه، خصوصاً بعد تأكدهم من استحالة تحويل الملف إلى المجلس العدلي وفق منطق الإجبار أو الإكراه. فخرجت صيغة جديدة وهي أن يتم الإنتهاء من التحقيقات، ويطّلع عليها اللواء عباس ابراهيم، ويجري تقييمه له، ويقدم تصوره للرؤساء. وعلى هذا الأساس، يتم البحث بالأمر. وكان جنبلاط طور تكتيكه إلى ما موقف أبعد، حين أعلن أنه لا يمانع من عقد لقاء موسع مع رئيس الجمهورية في بعبدا، إذا ما توفرت الظروف الملائمة، ومن دون تقديم أي تنازل، أو تراجع عن موقفه.
مساء الثلاثاء، بدأت فكرة جديدة بالتبلور، وجرى النقاش فيها، وتتعلق بإمكانية انتهاء التحقيقات وإحالة الملف على المحكمة العسكرية، بدلاً من القضاء المدني، للنظر في القضية وإصدار الحكم. وبذلك يتم تجنّب المجلس العدلي. وافق جنبلاط على تلك المبادرة، فيما كان هناك من يعتبر أن ذلك من شأنه أن يحرج ارسلان، ويضعه أمام عين الاستحقاق، خصوصاً أن هناك من حلفائه من كان يعتبر أنه "صعد إلى الشجرة وأصبح بحاجة إلى من ينزله عنها". وهذا المسعى، هو الذي دفع اللواء ابراهيم والوزير سليم جريصاتي إلى زيارة ارسلان في خلدة، للبحث معه في هذا المخرج، الذي قد يكون ملائماً للجميع.
إرسلان وعون يرفضان
في وقت متأخر من الليل، أعلن إرسلان رفضه هذا المسعى والمبادرة، مصرّاً على إحالة الملف إلى المجلس العدلي. ما يعني عودة الأمور إلى نقطة الصفر.
وعليه، من المحتمل في الأيام المقبلة، تصاعد الأزمة وزيادة الاحتقان. وواقعياً لا يمكن الوصول إلى حلّ في ظل هذا التشبث من دون تحقيق مكاسب سياسية لإرسلان وعلى حساب جنبلاط. فإرسلان يستند على دعم حلفائه في إصراره على موقفه. ما قد يجدد التصعيد وربما أيضاً التوتر بين جنبلاط ونصر الله. فعدم موافقة إرسلان على أي مخرج، يدل أنه لا يريد تسليم المطلوبين من قبله للتحقيق، وأنه مصرّ على تكريس رواية ما جرى بوصفه كميناً، أو عملية مخطط لها.
بقاء الوضع على حاله، لا يدعو إلى الطمأنينة، خصوصاً أن جنبلاط قدّم كل ما يستطيعه، ووافق على المجلس العدلي بشرط تسليم إرسلان للمطلوبين لديه، لاستكمال التحقيق كي لا يستهدف طرفاً دون الآخر.
أن تصل الحال إلى حائط مسدود، وإلى هذا القدر من التعقيد، يصبح من الواجب الحذر والترقب لأي احتمال سيء. وهذا أكثر ما يقلق الجبل. اذ يتخوف بعض المعنيين من حصول توترات أو صدامات واحتكاكات لاستدراج جنبلاط إلى تنازلات كاسرة له.
وحسب المعلومات، فإن الرئيس عون يصر على طرح إحالة الملف على المجلس العدلي على التصويت في الحكومة، وسط حديث عن ضغوط حزب الله على حلفائه، خصوصاً حركة أمل وتيار المردة، للتصويت مع الإحالة، لتوفير الأكثرية للقرار. الأمر الذي يراهن عليه إرسلان، إذ يقول إنه يرضى بالنتيجة كيفما جاءت. وهذا سيدفع الحريري إلى التواصل مع جنبلاط للبناء على الشيء مقتضاه.
في كل الأحوال، وكما نبهنا نصرالله أنه لم ينسَ ما قاله جنبلاط عام 2005، يبدو أن العناد على المجلس العدلي، هو جزء من ثأره لعناد 14 آذار على المحكمة الدولية.
منير الربيع - المدن