ما حدث يوم الثلثاء في 16 تموز 2019، داخل سراي طرابلس، أثناء جلسة طرح الثقة برئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين، أقلّ ما يمكن وصفه بـ "العار" الكبير. لم تكن جلسة للإطاحة بقمرالدين من منصبه وحسب، وإنّما كانت جلسة لإعلان الإطاحة بطرابلس كلّها. القضيّة أبعد من "شخص" قمرالدين، وسوء أدائه، وفشله في إدراة بلدية طرابلس على مدار ثلاث سنوات. إنّها قضيّة "جماعيّة" لم تخلُ من تراشق سهام الغدر والتآمر والأحقاد والمنافع الشخصيّة، أمام الملأ ومن دون خجل، بعد أن وضع بعض الأعضاء حسابتهم الشخصية فوق كلّ اعتبار، في مدينة تنضح بالانهيار والشحّ والإفلاس على مختلف المستويات الاجتماعية والبنيوية والاقتصادية والانمائية.
حفلة الشتائم
كانت الجلسة مهددة بعدم الانعقاد، بسبب وعكة صحية أدخلت قمرالدين إلى المستشفى. خرج الرئيس من المستشفى إلى السراي، ولم تتكلل "العملية الديموقراطية" بجوّ حضاريّ يعبّر عن مضمونها. انتهت الجلسة العلنية التي حضرها محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، بالصراخ والشتائم والتعارك ومحاولات التطاول والاشتباك بالأيدي، بين أعضاءٍ مؤتمنين على تمثيل طرابلس الذين انتخبهم أبناؤها. حُجبت الثقة عن قمرالدين بـ 13 صوتًا "لاثقة"، و5 أصوات "ثقة"، و5 أوراق بيضاء. أمّا المفاجأة غير المتوقعة التي فجّرت الجلسة المتوترة بين الأعضاء، فكانت بحجب الثقة عن نائب الرئيس بـ 12 صوتًا "لاثقة"، وهو ما خالف الاتفاق المعقود بين غالبية الأعضاء، بأن يسحبوا الثقة من قمرالدين ويجددوها لنائبه. وبينما كان من المفترض أن يلي جلسة طرح الثقة انتخاب مرشح لمنصب الرئيس، إلّا أنّ فريقًا من الأعضاء كان قد قرر الانسحاب، ففرط النصاب، ولم تبقَ سوى المجموعة المعارضة المؤلفة من 11 عضوًا من أصل 23 عضوًا.
المتاجرة بالمناصب
انتظر الأعضاء طويلًا، وكان الاتصالات "شغالة" بأعلى درجاتها، وكذلك الاجتماعات الثنائية والجماعية السريّة. حاول الأعضاء أن يقنعوا أحد زملائهم "المنسحبين" بأن يأتي حتّى يكتمل النصاب بـ 12 عضوًا، ليعقد المحافظ جلسة انتخاب الرئيس على الفور، وايصال مرشحهم الدكتور رياض يمق. لم تنجح المحاولات، ولا حتّى الاتصالات السياسية من بعض القوى الحاضرة في المدينة. وحدها محاولات "الابتزاز" تصدّرت المشهد. فواحد من الأعضاء، كان حين يتواصل مع زملائه يقول: "إذا بتجيبوني نائب رئيس هلق بجي بنتخب معكم!". هكذا بدت بلدية طرابلس: ساحة مستباحة ومخروقة لـ "المتاجرة" بالمناصب!
لكن، ما هو السيناريو حاليًا؟
استلم المحافظ نهرا بلدية طرابلس لحين تعيين جلسة وانتخاب رئيس ونائب جديد، وقد أعلن عن موعدها، عند العاشرة من قبل ظهر الجمعة في 19 تموز 2019. وهناك سيناريوهات عدّة ممكن أن تحدث. ففي حال استطاع الفريق المعارض أن يعيد إلى صفّه أحد الأعضاء، وتحديدًا الدكتور صفوح يكن، الذي كان معهم، يستطيعون حينها أن يعقدوا جلسة مكتملة النصاب لانتخاب رئيس ونائب رئيس، مع العلم أن مرشحهم لا يحظى بأيّ غطاء سياسي. أمّا في حال توافق الـ 12 عضوًا من الفريق الآخر على مرشحٍ واحد للرئاسة، وهو إمّا مرشح رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي عزام عويضة، وإمّا إعادة انتخاب قمرالدين الذي يحظى بدعم كبير من تيار المستقبل.
وفي كلا الحالتين، تبقى الخشية أن يُقدم الفريق "الخاسر" في معركة الرئاسة على استقالات جماعية تطيح بالبلدية، بعد أن ثبت أنّ الهوّة فيما بينهم يصعب ترميمها ولم تعد صالحة للإلتئام لانقاذ البلدية من فشلها الذريع. وإذا استمر المحافظ نهرا بالدعوة إلى عقد جلسات من دون اكتمال نصابها، سيبقى ممسكًا بالبلدية، وهنا قد تكون الطامة الكبرى، التي ستظهر ارتداداتها السلبية في القريب العاجل.
إذن، يبدو الجميع بانتظار حلٍ "سياسي" توافقي، بعد أن أكدت التجارب أنّ السياسة وحدها كفيلة بإدارة السلطة المحلية في عاصمة الشمال. وفي خلاصة هذا المشهد المخزي بين أعضاء المجلس، تكون طرابلس هي الخاسرة الوحيدة، ومعها أهلها، الذين لا يتوقفون عن حصد خيباتهم الكبرى بخيارتهم الانتخابية، نيابيًا وبلديًا.
جنى الدهيبي - المدن