حطّ مشروع موازنة العام 2019 رحاله في قاعة مجلس النواب، حاملاً معه رواسب الحكومة ولجنة المال والموازنة. والمشروع الآتي إلى القاعة دخل مزهوّاً يختال بنفسه، معتقداً أنّه المنقذ لمالية واقتصاد البلاد. ليس العيب في المشروع إنّما في مَن صوّر له حجماً أكبر من حجمه الفعلي. وكم يعكس هذا الإعتقاد، إعتقاد صانع ومهندس المشروع، فهو أيضاً يكذّب الكذبة ويصدّقها، كذبة أنّه يهندس الحلول التي ستنقذ لبنان. والأسوأ أنّ هناك من لا يزال يصفّق ويصدّق، رغم أنّ أحد المهندسين أقرّ بلسانه عدم قانونية ودستورية وفعالية المشروع، فيما شرّع كبير المهندسين خرق القانون.
كنعان يعترف
إفتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري، صباح الثلاثاء 16 تموز، الجلسة الأولى من جلسات مناقشة مشروع قانون موازنة العام 2019، بشكر النواب ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان على "الجهد الذي قاما به لإقرار الموازنة في لجنة المال".
لكن برّي تجاهل شكر النواب واللجنة على جهودهم في تأكيد مخالفة الدستور والقوانين، وذلك بإعتراف كنعان نفسه الذي أكّد في كلمته على "غياب الرؤية الاقتصادية والاجتماعية لمشروع الموازنة"، مستنداً إلى "ارتفاع معدّل البطالة وانخفاض نسبة النمو وتدنّي نسبة الاعتمادات المخصّصة للنفقات الاستثمارية، لا سيّما في ضوء إرجاء 18 قانون برنامج ما يعادل حوالي 800 مليار ليرة لبنانية".
ووفق كنعان، فإنّ لجنة المال والموازنة سجّلت إحالة مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي "بعد انقضاء أكثر من سبعة أشهر على المهلة الدستورية المحدّدة لتقديم مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي كما تقضي أحكام المادة 83 من الدستور". وأيضاً، "تضمّن مشروع قانون الموازنة تسعاً وتسعين مادة موزّعة على أربعة فصول يختصّ الفصل الأول منها بمواد الموازنة وفقاً لعنوان وروده، في حين وردت في الفصول الثلاثة الأخرى مواد دخيلة على نطاق قانون الموازنة"، موضحاً إنّ المواد الدخيلة "تعتبر من قبيل فرسان الموازنة (مثل قوانين البرامج)، أي من قبيل النصوص التي تُحشَر في مشروع الموازنة بهدف تمريرها تحت ضغط هاجس إقرار الموازنة خلال المهلة القصيرة نسبيّاً المحدّدة لإقرارها". فضلاً عن افتقار مشروع الموازنة "إلى الشمول المكرّس دستوريّاً بنص المادة 83 من الدستور، وقانونيّاً بنصّ المادة الثانية والمادة الحادية والخمسين من قانون المحاسبة العمومية".
جهل أم فساد؟
نوّه كنعان "بموقف الحكومة ووزارة المالية من توصية لجنة المال والموازنة لجهة عدم لحظ أي قانون برنامج في مشروع موازنة العام 2019". وبتنويهه يفتح الباب أمام تساؤلات حول عمل الحكومة وما "أنجزته" خلال وضعها مشروع الموازنة. ألم يعلم الوزراء بكل هذه المخالفات الواردة في المشروع؟ كما أنّ تكتل لبنان القوي الذي ينتمي إليه كنعان، والذي يرفع شعار التغيير والإصلاح، ممثّل في الحكومة ومرّر المشروع إلى لجنة المال والموازنة، بالتوافق مع باقي أطراف السلطة الممثّلين في المجلسين الوزاري والنيابي، وهذا يعني بأنّ الأطراف نفسهم على دراية بالمخالفات التي يتضمّنها المشروع، ومع ذلك أحالوه بمخالفاته.
أما لجنة المال والموازنة، فأقرّت بوجود المخالفات، ومع ذلك درست المشروع ونقّحته وحوّلته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب. ما يعني أنّها شهدت زوراً على صلاحية المشروع للإقرار والسير به كدستور إقتصادي ومالي. وعليه، يُستَغرَب تصويب كنعان وأعضاء لجنته على مشروع ما زالت آثاره تلطّخ أياديهم. ومن سخرية القدر مجدّداً، أنّ كل القوى السياسية ممثلة داخل لجنة المال والموازنة. وبتعبير آخر، الجميع موافق على ما ورد في المشروع المحال من اللجنة إلى الهيئة العامة.
بري يمرّر و"الحزب" يبصم
أمام كل تلك المخالفات المثبتة بالنصوص والألسن، أضاف بري نقطة سوداء جديدة إلى فصول المسرحية المسماة نقاش الهيئة العامة لمشروع الموازنة. فبرّي الذي أكّد في إفتتاح الجلسة الصباحية عقد الحكومة "جلسة خاصة بموضوع قطع الحساب خلال الجلسة التشريعية"، ثمّ أعطى هامشاً لعقد الجلسة يتراوح بين "اليوم أو غداً (الثلاثاء أو الأربعاء)"، عاد واعتذر خلال الجلسة المسائية "لأنه وصلني اقتراح حل لقطع الحساب وبالتالي لا جلسة لمجلس الوزراء". وما الإقتراح سوى إعطاء الحكومة مهلة 6 أشهر لإنجاز قطوعات الحسابات والصيغة المقترحة سيصوّت عليها في الجلسة الأخيرة للمجلس، يوم الخميس 18 تموز. أي أنّ بري والنواب سيشرّعون مخالفة دستورية جديدة يوم الخميس. وغلطة برّي بألف، لأنه رأس هرم السلطة التشريعية.
فيما يمرّر برّي المخالفات، يؤكّد بعض النواب المستقلين، إضافة الى نواب الكتائب والقوات اللبنانية، رفضهم العلني لمشروع الموازنة. أما حزب الله، فيشهد زوراً ويمرّر الفساد أيضاً. فبعد كل النصوص القانونية والدستورية الواضحة، يعتبر الحزب على لسان نائبه حسن فضل الله، أن "الموازنة لا تلبّي جميع الطموحات ولكن المهم أننا بدأنا مساراً وهي خطوات بطيئة لكنها إلى الأمام". والمسار بنظر فضل الله وحزبه، هو تسيير ما تتّفق عليه أطراف السلطة، تحت حجة عدم العرقلة، وليس ما ترسمه وتحدّده القوانين والدستور. وهذا الموقف يتناقض بوضوح مع ما أعلنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله، بأنّ حزبه سيحارب الفساد. فها هم نواب الحزب يشرّعون مع شركائهم الفساد بأبهى حلّته.
خضر حسان - المدن